لم يكن الفيديو الذي نشره التحالف العربي في اليمن، الذي تقوده السعودية، الذي يزعم وجود أدلّة على تورط "حزب الله" عسكرياً في الحرب الدائرة هناك، إلا مؤشراً على أن الرياض في طور الذهاب إلى المزيد من الخطوات التصعيديّة تجاه الحزب، بعد الأزمة التي كانت وقعت على خلفية تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، كان قد أدلى بها قبل تسلمه منصبه.

في الفترة الفاصلة، بين إستقالة قرداحي والاستجابة لمطلب فرنسي واضح في هذا المجال، لم تكن السعودية في طور التهدئة من الناحية العملية، حيث بادرت إلى العديد من الخطوات التي تصبّ في خانة التأكيد على أنّ الإستقالة لن تغيّر من سياساتها تجاه لبنان، خصوصاً خلال الجولة التي قام بها ولي العهد محمد بن سلمان على الدول الخليجية.

ما تقدم يؤكّد أن الوساطة الفرنسية، على الرغم من كل التسريبات التي تظهر عكس ذلك، لم تنجح في تبديل موقف الرياض، بحسب ما ترى مصادر سياسية مطلعة عبر "النشرة"، لكن الأبرز هو في المواقف التي صدرت عن بعض القيادات اللبنانية بعد نشر الفيديو، خصوصاً لكل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لا سيما أنها كانت بمثابة مؤشر جديد على توسع رقعة الإعتراض على سياسة الحزب.

في هذا الإطار، سأل عون، في كلمته التي توجّه بها إلى اللبنانيين يوم الاثنين الفائت، عن المبرّر لتوتير العلاقات مع الدول العربيّة والتدخّل في شؤون لا تعني اللبنانيين، في معرض تأكيده على أنّه يرغب بأفضل العلاقات مع تلك الدولة، بينما طرح ميقاتي، في المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم الثلاثاء، أن يكون تمتين علاقات لبنان العربيّة، لا سيما مع دول الخليج، وعدم التدخّل في شؤونها الداخليّة أو الاساءة اليها، بنداً من بنود طاولة الحوار الوطني التي يريد رئيس الجمهورية الدعوة إليها.

من وجهة نظر المصادر نفسها، الخطوة السعودية، التي تمّ الإعلان عنها الاسبوع الماضي، من المفترض أن تكون مقدّمة نحو خطوات أخرى، يجب أن تتّضح مع بداية العام الجديد، بعد رصدها للمواقف اللبنانية جيداً، نظراً إلى أنها اليوم في طور مراقبة هذه الخطوات حول ما أعلن عنه التحالف العربي، بالرغم من أنّ "حزب الله"، المعني الأول بهذه القضيّة، اعتبر أنه لا يستحقّ التعليق أو الرد.

من حيث المبدأ، لدى الرياض خياران أساسيان في حال قررت الذهاب إلى الخطوات التصعيدية العملية، الأول هو الذهاب إلى تقديم شكوى لدى الأمم المتحدة، أو الثاني فهو الدفع نحو إصدار موقف متشدد من مجلس التعاون الخليجي، وهو ما كانت بعض وسائل الإعلام المقربة منها قد بدأت الترويج له في الأيام الماضية، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة على الواقع اللبناني الداخلي.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر السياسية المطلعة إلى أنّ رئيس الحكومة، الذي كان قد جدّد التأكيد على أنّ "حزب الله" مكوّن لبناني، سيكون أمام التحدي الأبرز، لا سيما إذا ما كانت الخطوة السعودية بإتجاه الدولة اللبنانية لا الحزب فقط، نظراً إلى أنه يعد من الشركاء الأساسيين في الحكومة الحالية، الأمر الذي يدفع إلى طرح علامات الإستفهام حول قدرته على الإستمرار في موقعه، في ظل الواقع الذي تمر فيه البلاد على مستوى تعطيل مجلس الوزراء.

في المحصّلة، لدى هذه المصادر قناعة بأنّ كل الخطوات السعوديّة، راهنًا، هدفها التأثير على مسار الإنتخابات النّيابية المقبلة، من خلال سياسة الضغوط القصوى الهادفة إلى حشر "حزب الله" في الزاوية، الأمر الذي قد يستدعي المزيد من الخطوات المتشدّدة، على أمل أن يقود ذلك إلى قلب الأكثريّة النيابية من خلال حلفائها، الأمر الذي سيتطلّب منها أيضاً معالجة الواقع السياسي في الساحة السنية بشكل سريع.