قبل أن يبدأ الأسبوع الأول من العام، "اخترق" رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل "إجازة الأعياد"، ليفتتح السنة الجديدة بخطاب سياسيّ ماراثونيّ، استمرّ لساعة كاملة، ووُصِف بـ"الناريّ"، بعدما شمل في "هجومه" كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

لكنّ "الأهمية الاستثنائية" في الخطاب لم تكن في التصويب علي هؤلاء، وجلّهم مصنَّفون ضمن "الخصوم التقليديّين" لباسيل، أو ممّن لم تجمعه بهم أيّ "كيمياء"، حتى في مراحل "التسويات والتفاهمات" معهم، ولكن في الانتقادات الصريحة، وغير المبطنة، التي وجّهها إلى "حليفه وصديقه"، الذي يقول البعض إنّه لم يتبقَّ له غيره، أي "حزب الله".

صحيح أنّ باسيل لم يصل في "ذروة" خطابه إلى حدّ إعلان "فكّ الارتباط" مع الحزب، وبالتالي "تمزيق" ورقة التفاهم معه، وإعلان "الطلاق النهائي" الذي لا رجعة عنه، كما كان البعض يتوقّع، لكنّه أسمع بلا شكّ الحزب كلامًا "ثقيلاً"، حين وصف بعض ممارساته بأنّها "لا تقطع"، وقال إنّه ما عاد قادرًا على "إقناع" جمهوره بما ليس هو "مقتنعًا" به.

وبعيدًا عن الردود والتعليقات على كلام باسيل، التي بدأت منذ اللحظات الأولى، وتوجّتها قناة "NBN" بمقدّمة "نارية" وصفته فيها بـ"الفهلوي"، قد يكون من المفيد التوقف عند "رسائل" الخطاب بحدّ ذاته، والتي تباينت "تفسيراتها" بين من قرأ فيها "مناورة" ومحاولة "ابتزاز" لـ"حزب الله"، ومن رأى فيها على العكس من ذلك، محاولة لـ"تحصين" العلاقة مع الأخير، عبر "تطوير" التفاهم، وهو شعار ليس وليد اليوم، إذ رفعه باسيل منذ فترة غير قصيرة.

بالنسبة إلى "العونيّين"، فإنّ "رسائل" باسيل أكثر من واضحة وصريحة وشفّافة، فهو بخلاف معظم السياسيّين، "سمّى الأشياء بمسمّياتها"، ولم يتوانَ عن "لوم" الحلفاء والأصدقاء، والاعتراض على ما لا يرضيه من "أداء"، بعيدًا عن أيّ مصلحة سياسية أو انتخابية، علمًا أنّ العلاقة مع "حزب الله"، بعكس ما يحاول البعض تصويره، "تقوّيه" سياسيًا وانتخابيًا، وتعزّز "فرصه" في موسم الانتخابات، خصوصًا بعدما نجحت "الحملات" في إبعاد الجميع عنه.

ويشير "العونيون" في هذا السياق، إلى أنّ باسيل أراد "تسجيل موقف" من بعض الممارسات التي تطبع مسار "حزب الله" في الآونة الأخيرة، والتي لا تجد تفسيرًا ولا تبريرًا عند القاعدة الشعبية لـ"التيار الوطني الحر"، خصوصًا في موضوع التحقيقات في جريمة تفجير مرفأ بيروت، وما ترتّب عليه من أزمات سياسية، تحوّل معها "الحزب" إلى "خصم" لـ"التيار"، عبر تعطيل الحكومة التي كان "العهد" يعوّل عليها، وشلّها بالكامل، ومنعها من العمل.

أما المشكلة الحقيقية مع "الحزب"، فيختصرها "العونيّون"، بكلمة من ثلاث نقاط، وفق توصيف باسيل نفسه، يستخدمونها للردّ على كلّ الهواجس والأسئلة المشروعة، وهي "بري"، وهو ما يرفضه "التيار"، الذي يعتبر أنّه وقّع وثيقة "تفاهم" مع "حزب الله"، لا مع "حركة أمل"، وبالتالي فهو ليس مضطرًا لمراعاة رئيس مجلس النواب ومسايرته، وهو يريد من "الحزب" أن يكون شريكًا فعليًا له في مشروع بناء الدولة ومكافحة الفساد، وهو ما لم يحصل.

لكن، ما يرى فيه "العونيّون" جرأة وشجاعة، وتسمية للأمور بمسمّياتها، يقرأه بعض الخصوم على أنّه "بروباغندا" و"مناورة"، لا أكثر ولا أقلّ، في موسم الانتخابات المفترضة، حيث يعتبر هؤلاء أنّ الخطاب عكس في جانب أساسيّ منه "تخبّطًا وارتكابًا" في مقاربات باسيل، الذي بات "أضعف" أكثر من أيّ وقت مضى، وهو يشعر أنّ العلاقة مع "حزب الله" تكبّده شعبيًا، لكنّ الابتعاد عنه قد "يكلّفه" أكثر، بغياب أيّ "حلفاء" يمكن أن يستبدله بهم.

من هنا، لا يستبعد هؤلاء منطق "الابتزاز" في خطاب باسيل، فهو لم "يقطع الجرّة" مع "الحزب"، وأصرّ على تغليف "رسائله" بمقوّمات "استعطاف" لا بدّ منها، فأشاد بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الذي يحمل "مكانة خاصة في قلبه"، و"دغدغ المشاعر" بما يناسب الحزب سياسيًا، من خلال الحديث مجدّدًا عن "استعداده" لزيارة سوريا في أيّ وقت، حتّى في مرحلة ما قبل الانتخابات، في "استعادة" لخطاب قديم لم يكتَب له الترجمة.

بهذا المعنى، يرى "المناوئون" لباسيل أنه حاول بخطابه هذا "جرّ" الحزب إليه، لا إعلان "القطيعة" معه، إلا أنّه وقع مرّة أخرى في "فخّ" لعبة "المفاضلة" غير المتكافئة، من خلاله سعيه لـ"تخيير" الحزب بينه وبين حليفه الأول، رئيس مجلس النواب نبيه بري، رغم أنّ التجربة أثبتت أنّ "حزب الله" يغلّب العلاقة مع "الأستاذ" على كلّ شيء آخر، ربما حفاظًا على "وحدة الطائفة" كما يقول، ولكن ربما لأسباب أكثر "عمقًا".

وبين ما يقوله حلفاء عون وخصومه، يبقى الأكيد أنّ "التباينات" بين "التيار" و"الحزب" لم تعد، كما كانت في السابق، مجرّد "غيمة صيف عابرة" كما يحلو للبعض أن يقول، بل أصبحت تمسّ "الجذور والأساسيّات"، وهو ما يتجلّى بوضوح شديد في "النفور المتبادل" الذي تبديه القواعد الجماهيرية، فـ"العونيّون" ما عادوا قادرين على "تحمّل" سياسات الحزب، وجماهير الأخير باتت تشعر أنّ "الحليف" يتبنّى "خطاب" الخصوم، وبات جزءًا من "الحملات" التي تُشَنّ عليه.

باختصار، هي ربما "نهاية" التفاهم، ولو بقيت غير مُعلَنة. يرى كثيرون أنّ "لا مصلحة" في إعلانها أصلاً، في الوقت الحاليّ،وحتى إشعار آخر. فـ"حزب الله" يريد لهذا التفاهم أن "يصمد"، ولو بالحدّ الأدنى، لما يوفّره له من غطاء سياسيّ وشعبيّ، يبقى بأمس الحاجة إليه على الساحة المسيحية بصورة خاصة.

أما "التيار" فيفضّل "تطوير" التفاهم على "إلغائه"، لأنّ المصلحة من بقائه، ولو بدت "صفرية"، بالنسبة إلى شريحة واسعة من الجمهور، تبقى أفضل من "زواله"، من دون توفير أيّ "بديل"، لما يؤمّنه من "حفظ لخط الرجعة" بالحدّ الأدنى، من دون نسيان أنّ "العهد" في سنته "الافتراضية" يبقى بحاجة إلى "أصدقاء وداعمين"، ولو بالحدّ الأدنى أيضًا!