في المبدأ، من المهم والاساسي والمطلوب ان يلجأ الجميع، عند حصول اي خلاف وعلى اي مستوى كان (سياسياً او دبلوماسياً او مالياً او عسكرياً او اجتماعياً...) الى الحوار اولاً لتجاوز الخلافات والوصول الى قاسم مشترك، خصوصاً وان نسبة النجاح في المفاوضات او الحوار غالباً ما تكون عالية. اما في لبنان، فالوضع دائماً ما يأخذ منحى معاكساً، وفي هذا السياق، يمكن وضع دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اذ انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض للدعوة لاسباب عدة. وفي حين رحّب البعض ورأى فيها وسيلة لايجاد حلول، انتقدها البعض الآخر مشيراً الى انها اتت متأخرة وباتت لا لزوم لها حالياً.

ولكن، بين هذا وذاك، يبقى الواقع ان عون وجد نفسه في موقف حرج، فتيار المستقبل على لسان رئيسه سعد الحريري اعلن عدم مشاركته بأيّ دعوة الى الحوار قبل حصول الانتخابات النّيابية، وقد يلتقي حزب "القوات اللبنانيّة" مع التيار الازرق في هذا المجال نظراً الى الخلاف الكبير الحاصل مع عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة، والى عدم الرغبة في تخفيف سياسة شد العصب قبيل الانتخابات النيابية من جهة ثانية. اما باقي الاطراف، فتبديليونة اكثر وتقبلاً لفكرة الحوار والمشاركة فيه، ولكن... هذا لا يمنع ان عون اصبح في عنق الزجاجة، لانّ عدم التئام طاولة الحوار سيشكل احراجاً له ويُظهر ان كلمته لم تعد مسموعة لدى الاطراف اللبنانيين حتى من اجل التلاقي على طاولة واحدة، كما ان اجتماع بعض الاطراف دون سواها يفقد الحوار اهميته الجامعة التي يجب ان تكون موجودة ويُظهرهوكأنه استهداف لطرف غائب، ناهيك عن أنه في حال تم الاتفاق على قرارات معيّنة، فمن الذي سيضمن تنفيذها ونحن على ابواب انتخابات سيصارع فيها كل طرف من اجل التفوق على الآخر شعبياً؟.

كان من الممكن ان يؤتي الحوار ثماره لو كانت الظروف مغايرة، علماً ان الدعوات السابقة ومنها الدعوة التي كان وجهها عون نفسه الى الاطراف سابقاً (في ايلول من العام 2019 لدرس الوضع الاقتصادي)، لم تكن فاعلة، لا بل تعرضت لاطلاق نار من المشاركين قبل المقاطعين. وعلى الرغم من ان ما حصل سابقاً لا يعني وجوب التخلي عن الحوار او اسقاطه كحل مطروح على بساط البحث، الا انه من الواجب ايضاً التفكير بالعواقب السلبية لعدم نجاح هذه الدعوة، وكان ربما من المفيد اكثر لو تم التحضير لها بعيداً عن الاعلام، عبر اتصالات ولقاءات تعطي صورة واضحة عما ستؤول اليه الاوضاع وتظهر مدى رغبة الفرقاء في المشاركة من عدمها، وكيفية تعاطيهم مع جدول الاعمال المقترح. ويرغب الكثيرون في "تدفيع" عون ثمن دعوته هذه في عز التحضير للانتخابات النيابية، واظهاره والتيار الوطني الحر على انهما فقدا الكثير من الدعم الشعبي وحتى التأييد السياسي الذي حظيا به لسنوات خلت.

والتعقيدات الاخرى ستطال ما تبقى من ولاية عون الرئاسية، ليكون فشل الحوار (في حال تم الوصول الى هذه النقطة)، نقطة ضعف اخرى سيتم استغلالها لتقليل الثقة بعون من قبل الداخل والخارج على حدّ سواء، ومحاولة"كسر شوكته" من خلال تقديمه على انه غير قادر على القيام بشيء في الاشهر الاخيرة من عهده، وانه فعلياً بدأ العد العكسي للعمل على اختيار خلف له، فيحتفظ فعلياً بصلاحيات صوريّة كالملكة اليزابيث في بريطانيا، ولا يعود له ايّ ثقل معنوي حقيقي على الملعب السياسي اللبناني.

فهل اخطأ عون او تسرع في دعوته الى الحوار في ظل ضبابية الوضع الاقليمي، وتنامي الصراع الداخلي؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه؟!.