مع فتح باب الترشيحات للانتخابات النيابية المقبلة، يصبح من المنطقي القول إن المعركة انطلقت رسمياً، لكن ما ينبغي التوقف عنده هو الضبابيّة التي تسيطر على التحالفات، نتيجة دخول العديد من المعطيات الجديدة على خط هذا الاستحقاق، أبرزها دخول لاعبين جدد يمثلون القوى التغييريّة التي ظهرت بعد السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

على جبهة القوى التقليديّة، بات من الواضح أنّ كل من قوى الثامن والرابع عشر من آذار يعانيان من أزمة كبيرة، تتمثّل في القدرة على نسج التحالفات بسبب الخلافات بين أركانهما، فالأولى تواجه مشكلة التحالفات مع "التيار الوطني الحر"، بسبب خلافاته مع معظم الأفرقاء، أما الثانية فهي تواجه مشكلتين أساسيتين: موقف تيار "المستقبل" من المشاركة في هذا الاستحقاق، والتوتّر في العلاقة بين التيار وحزب "القوات اللبنانية".

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ "حزب الله" يسعى إلى لعب دور أساسي في الوصول إلى توافق حول كيفيّة خوض هذا الاستحقاق، بشكل يضمن إعادة فوز تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" في الأكثرية النيابيّة، وتلفت إلى أنّ العمل من الممكن أن يكون على قاعدة نسج تحالفات على القطعة، أيّ حسب واقع كل دائرة، كما حصل في الانتخابات الماضية في العام 2018، حيث كان لدى التيار القدرة على نسج تحالفات متناقضة بين دائرة وأخرى.

بالنسبة إلى تحالف قوى الرابع عشر من آذار، تحديداً على مستوى "المستقبل" و"القوات"، توضح المصادر نفسها أنّ الأمور مرهونة بالقرار السعودي فيما يتعلق بالساحة السنية، حيث بعد وضوح هذا القرار من الممكن أن تتوضح الصورة أكثر، خصوصاً أن التحالف بين "القوات" و"الحزب التقدّمي الاشتراكي" بات محسوماً في العديد من الدوائر، وتضيف: "في حال كان القرار بدعم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، يصبح من المنطقي حصول التفاهم بين الجانبين في أكثر من دائرة".

في الجهة المقابلة، السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الدورة يتعلّق بالقوى التغييريّة والمعارضة، التي من المفترض أن تكون اللاعب الأبرز في هذا الاستحقاق، لا سيما بعد التطورات التي شهدتها البلاد في الأشهر الماضية، لكن في الصورة العامة واقعها لا يختلف كثيراً عن واقع التحالفات الحزبية السياسية.

في هذا الإطار، تلفت مصادر مواكبة، عبر "النشرة"، إلى أنّ الاختلاف في الاستراتيجيّات قاد إلى بروز مصطلحات جديدة: القوى المعارضة والقوى التغييريّة، حيث يطلق الأول على تلك التي لا تمانع التحالف مع بعض الشخصيات والتيارات السياسية، بينما يطلق الثاني على تلك التي ترفض بشكل مطلق هكذا تحالف، الأمر الذي أدّى إلى منع الوصول إلى تفاهم بين أكبر منصّتين: "كلنا إرادة" و"نحو الوطن".

وتوضح المصادر نفسها أنّ المنصة الأولى لا تمانع التحالف مع بعض القوى والشخصيّات السّياسية، بينما الثانية، التي تتّهم الأولى بنسج تحالفات على "القطعة"، ترفض ذلك بشكل مطلق، نظراً إلى أنها ترى هذا الأمر لا يمكن تبريره أمام الرأي العام، كما أنه لا يسمح بوجود كتلة متجانسة من الناحية السياسية.

بالنسبة إلى هذه المصادر، الصورة من المفترض أن تتضح أكثر في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن الكثير من الشخصيات الطامحة إلى دخول الندوة البرلمانية قد تتراجع عن هذا الأمر عندما تدرك صعوبة الأمر، على عكس ما هو الحال اليوم حيث الجميع لديه الرغبة في ذلك، وبالتالي من يستطيع أن يحجز مكاناً له على أرض الواقع هو الذي سيسيطر على المشهد، لكنّها لا تنكر أن هذا الأمر سيكون له تداعياته على المعركة.

في الصورة العامة، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ المعركة الأساسيّة ستكون في الساحتين المسيحيّة والسنّية، حيث القدرة على احداث التغيير أكبر من الساحتين الشيعيّة والدرزيّة، وتلفت إلى أنه في الأولى تستطيع القوى التغييرية والمعارضة أن تحضر بقوة، بالرغم من أن القوى السياسية لاتزال تمتلك الحضور الأكبر، أما في الثانية فإن واقع تيار "المستقبل" فتح الباب أمام منافسة غير مسبوقة، بين العديد من الجهات الطامحة إلى تقديم نفسها كبديل عنه.

من وجهة نظر هذه المصادر، في حال قرّر الحريري العزوف عن المشاركة في هذا الاستحقاق، فإن فرص تلك القوى والشخصيّات ستكون أكبر، بينما في حال قرر دخول المعركة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنّ هذه الفرص ستتراجع من دون أن يلغي ذلك قدرتها على الخرق في أكثر من دائرة.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أنّ المعركة الأكبر ستكون على أصوات المغتربين، نظراً إلى أن الكتلة الناخبة في الخارج، التي في أغلبها ناقمة على القوى السياسية، تملك القدرة على التأثير بنحو 10 مقاعد نيابيّة، لكنها تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول إمكانيّة أن تستفيد القوى التغييريّة أو المعارضة من ذلك، خصوصاً إذا لم تنجح في تقديم البديل المقنع.