يمكن لدائرة البقاع الأوسط-زحلة الإنتخابية أن تقدّم مشهداً معبّراً عن الإستحقاق الآتي بعد أربعة أشهر، إستناداً إلى النسيج الطوائفي الذي تضمه هذه الدائرة.

يمثّلها سبعة نواب في المجلس النيابي على الشكل التالي:

-نائبان للكاثوليك، هما حالياً: جورج عقيص(قوات) وميشال ضاهر(مستقيل من تكتل لبنان القوي).

- نائب ماروني، حالياً: سليم عون(التيار الوطني الحر).

- نائب ارثوذكسي، حالياً: سيزار معلوف(مستقيل من تكتل القوات).

- نائب ارمني، حالياً: ادي دمرجيان(مرشح الوزير السابق نقولا فتوش).

- نائب سنّي، حالياً: عاصم عراجي(تيار المستقبل).

- نائب شيعي، حالياً: أنور جمعة(حزب الله).

لكن اللوائح التي جرى تأليفها في الانتخابات السابقة لن تتكرر، لتفرض علامات استفهام عن مشهد التحالفات المرتقبة.

واذا كانت القوى تنتظر موقف رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري لمعرفة مسار الإنتخابات النيابية في لبنان، وشكل وجوهر التحالفات، ومنها في دائرة زحلة، فإنّ المؤكد ألاّ تحالف ولا تقارب لا بين تيار "المستقبل" والتيار "الوطني الحر"، ولا بين أيّ من التيارين البرتقالي والأزرق وحزب "القوات"، فيما برز عنصر جديد هو الحالة الإعتراضيّة التي ترصدها استطلاعات الرأي عند الناخبين: تبلغ حوالي ٢٠%.

تضع منظمات المجتمع المدني تلك الحالة في خانتها، وتحسب أن المعترضين هم اصوات "قوى التغيير". لكن هل هناك لائحة موحدّة وجامعة تضم مرشحين مستقلين قادرين على محاكاة هواجس المواطنين وإقناع الناخبين بالإقتراع لصالح تلك اللائحة؟.

لا يبدو أنّ "قوى التغيير" موحّدة، ولا هي قادرة على اثبات استقلاليتها في ظل وجود حزب "الكتائب" في صلب تلك اللائحة. هنا تسقط شعارات "المجتمع المدني" عند حقيقة اساسية: لائحة "التغيير" هي لائحة "الكتائب" وحلفائها ضمنيّاً.

واذا كانت منصّات إعتراضية اخرى ستؤلف لوائح بديلة، فإن "قوى التغيير" ستبدأ مسيرتها الانتخابية مشتّتة هزيلة. عندها ستتوزع الاصوات الاعتراضية بين لائحة وأخرى، وسيذهب العدد الأكبر نحو خيار الإعتكاف عن المشاركة بالإقتراع. ينطبق هذا الواقع ليس فقط على زحلة، بل على كل لبنان.

بالأرقام، اثبت حزب "القوات" أنّه القوة السياسية الاساسية في دائرة زحلة، ولديه القدرة على ايصال مرشح من لائحته بسهولة مطلقة، لإمتلاكه الحاصل الانتخابي. لكن "القوّات" ستكون مأزومة نتيجة إبعاد النائب سيزار معلوف عن تكتّل "الجمهوريّة القويّة". بإعتبار انّه هو من ساهم بنيل لائحة "القوات" حاصلين انتخابيين عام ٢٠١٨. وبالتالي فإن اي مرشح ارثوذكسي مستقل لن يحقق للائحة "القوات" حاصلاً اضافياً، بعدما خفّفت ازمة الكهرباء من وهج أسعد نكد في زحلة، الذي كان يمكن ان يكون بديلاً في معراب عن معلوف.

واثبت استطلاع للرأي أجراه مركز الاستشراف الاقليمي للمعلومات تراجع نكد، مقابل تقدم معلوف، بغياب فاعليّة اسماء ارثوذكسية اخرى.

وبحسب نتائج الاستطلاع نفسه، فإنّ من يملك الحاصل في هذه الدائرة اضافة الى "الحالة الاعتراضيّة" في حال توحّدت، و"القوات"، هما ثنائي حركة "امل" و"حزب الله"، وتيار "المستقبل". بينما يحظى كل من النائبين ضاهر ومعلوف وميريام سكاف بقدرات انتخابيّة جيّدة لا تخوّل اي منهم بمفرده كسب حاصل، كما ينطبق الأمر على النائب السابق نقولا فتوش الذي يحظى بتأييد كتلة ناخبة تشكّل له قاعدة لفرض نفسه في ايّ لائحة.

يمكن التساؤل: اذا كان حزب "القوّات" يمتلك حاصلاً سيكون لصالح حسم مقعد كاثوليكي، فإن التنافس سيكون على المقعد الكاثوليكي الثاني. فمن يستطيع من الأسماء الكاثوليكيّة المذكورة اعلاه ان يتحالف مع: "الثنائي الشيعي"، او "المستقبل"، او "قوى التغيير" (في حال وحّدت لائحتها) شرط اقتراع هذه القوى له، فإنه سيضمن فوزه عن المقعد الكاثوليكي.

لذا، سيحدّد التحالف المرتقب هويّة هذا المقعد، فيما يبدو ان حجم التيار "الوطني الحر" لا يخوّله ان ينافس عليه، لينصرف الى محاولة الحفاظ على المقعد الماروني للنائب سليم عون: لن يستطيع "الوطني الحر" الفوز بأي مقعد من دون تحالف مع القوى المذكورة اعلاه. وبما ان التيار البرتقالي لن يتحالف لا مع "القوات" ولا "المستقبل" ولا "قوى التغيير" فلا يبقى امامه سوى "حزب الله" لنيل حاصل يخوّله فوز مرشحه الماروني، او ضم سكاف الى لائحته التي تستطيع ان ترفع من نسبة الإقتراع الى حدود نيل حاصل للّائحة. علماً أنّ ارقام الاحصاءات اكدت ورود اسم المحلل السياسي جوني منيّر كمنافس جدّي عن المقعد الماروني، وتفوق اعداد مؤيديه في نتائج الإستطلاع، اعداد الذين اختاروا حزب "الكتائب" في دائرة زحلة.

هنا تبرز الاسئلة: هل يكرّر "الثنائي" فعلته بعدم الاقتراع الى فتّوش، ويفضّل سليم عون هذه المرة؟ ام يحاول التوفيق بين حليفيه؟ وماذا ستقرّر سكاف: هل تهدي التيار حاصلاً لتحقيق فوز في المقعد الماروني-الاسهل من المقعد الكاثوليكي؟.

في حال انضمت سكاف الى لائحة "الوطني الحر" من دون "الثنائي الشيعي"، فلا يبدو انها ستكون قادرة على الفوز، خصوصا إذا قرر "الثنائي" دعم فتوش فعلياً، او اذا تحالف ضاهر مع "المستقبل" ونال اصواتاً سنّية اضافية، او انضم الى لائحة "قوى التغيير"(في حال توحّدت).

واذا تحالفت سكاف مع "الثنائي الشيعي" و"الوطني الحر" وحصلت على اصوات شيعيّة دون غيرها من المرشّحين المسيحيين، فإنها ستكسب المعركة.

اذا قرّر "المستقبل" خوض المعركة الانتخابية بكامل قوته وقدراته، فإنه يستطيع ان يدعم فوز نائب اضافي غير المقعد السنّي: هل يكون ضاهر؟ ام معلوف؟ ام سكاف؟ ام ارمني؟.

تؤكد ارقام استطلاعات الرأي إنّ معركة كسب مقعد ارثوذكسي او ارمني، هي اسهل بكثير عند التيار الازرق من معركة دعم مرشح كاثوليكي. لكن "المستقبل" لم يتّخذ موقفاً لغاية الآن ازاء كل مسار الانتخابات، بإنتظار عودة الحريري الذي قال لأحد السياسيين انه سيكون في لبنان خلال اقل من عشرة ايام.

اما حالة شقيق رئيس الحكومة الاسبق بهاء الحريري لم تُرصد شعبياً لا في قضاء زحلة ولا في غيره، سوى في وسائل الاعلام. مما يبقي "المستقبل" هو الرقم السنّي الصعب، في وقت تعيش فيه الطائفة المذكورة حالة ارباك غير مسبوقة، اظهرتها نتائج استطلاعات الرأي.

واذا كان "القوات" يراهن على كسب اصوات سنّية بدل الحريري، فإن نتائج استطلاعات الرأي التي اجراها مركز الاستشراف الاقليمي للمعلومات أكّدت ألاّ ترجمة لتمنّيات "الحكيم"، رغم ان مرشحه السابق محمد علي ميتا هو الأقدر على جذب اصوات للائحة "القوات". فماذا لو قرّر فريق آخر جذب ميتا الى لائحته؟ سيجد رئيس حزب "القوات" نفسه امام اوهام في الساحة السنّية في زحلة، التي تترقب بلهفة عودة الحريري لترتيب صفوفها.