لفت ​البابا فرنسيس​ إلى أن "في العام الماضي، وبفضل تخفيف القيود التي تم وضعها واتيحت لي الفرصة، أن أستقبل العديد من رؤساء الدول والحكومات، ومختلف السلطات المدنية والدينية، من بين اللقاءات العديدة، أود أن أذكر هنا لقاء اليوم الأول من تموز الماضي، الذي خصص للتأمل والصلاة من أجل لبنان"، متوجهًا "إلى الشعب اللبناني العزيز، الواقع في أزمة اقتصادية وسياسية، وهو يسعى جاهدًا لوجود حل لها، أريد أن أجدد تأكيد قربي منه وصلاتي من أجله، وأتمنى أن تساعد الإصلاحات اللازمة، ودعم المجتمع الدولي، كي يبقى هذا البلد ثابتا في هويته وبقائه نموذجا للعيش السلمي معا والأخوة بين مختلف الأديان فيه".

وذكر، خلال استقباله في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء السلك الدبلوماسي المتعمد لدى ​الكرسي الرسولي​ لتبادل التهاني بحلول العام الجديد، أن "حضور الدبلوماسيين هو علامة ملموسة على الاهتمام الذي توليه بلادهم للكرسي الرسولي ودوره في المجتمع الدولي، نرى في هذه الأيام كيف أن مكافحة جائحة كورونا، ما زالت تقتضي جهدًا كبيرًا من الجميع، وما زلنا نتوقع أن يكون العام الجديد مليئا بالتحديات. ما زال فيروس كورونا يخلق العزلة الاجتماعية ويحصد الضحايا. لذلك من المهم أن تستمر الجهود المبذولة لتلقيح السكان بأكبر قدر ممكن. وهذا يتطلب التزاما متعددا على المستوى الشخصي والسياسي وكل المجتمع الدولي. وثمة حاجة أيضا إلى التزام شامل من قبل المجتمع الدولي، حتى يتمكن كل سكان العالم من الحصول بصورة متساوية على الرعاية الطبية الأساسية وعلى اللقاحات".

وأشار البابا فرنسيس، خلال حديثه عن العراق، إلى أنه "تمكنت أيضًا من استئناف الرحلات الرسولية. في آذار، كان من دواعي سروري الذهاب إلى العراق. وأرادت العناية الإلهية أن تكون رحلتي علامة أمل بعد سنوات من الحرب والإرهاب. إنه من حق الشعب العراقي أن يستعيد كرامته وأن يعيش بسلام. إنه شعب تعود جذوره الدينية والثقافية إلى آلاف السنين: فبلاد ما بين النهرين هي مهد الحضارة. ومن هناك دعا الله إبراهيم ليبدأ تاريخ الخلاص".

وذكّر البابا فرنسيس، بشأن المهاجرين واللاجئين، بزيارته لجزيرة "لسبوس" اليونانية الشهر الماضي، موضحًا "أنني تمكنت من رؤية سخاء أولئك الذين يعملون لتوفير الضيافة والمساعدة للمهاجرين، لكن قبل كل شيء رأيت وجوه العديد من الأطفال والكبار الذين كانوا ضيوفا في مراكز الاستقبال. في عيونهم تعب من السفر، وخوف من مستقبل مجهول، وألم الأحباء الذين تركوهم وراءهم، والحنين إلى الوطن الذي أجبروا على الرحيل منه. أمام هذه الوجوه لا يمكننا أن نظل غير مبالين ولا يمكن أن نتحصن خلف الجدران والأسلاك الشائكة بحجة الدفاع عن الأمن أو أسلوب حياة محدَد. يجب التغلب على اللامبالاة ورفض الفكرة أن المهاجرين هم مشكلة لغيرنا".

واعتبر أن "قضية الهجرة، وكذلك الجائحة وتغير المناخ، تُظهر بوضوح أنه لا يمكن لأحد أن ينقذ نفسه وحده، أي أن التحديات الكبرى في زمننا كلها عالمية. لذلك من المثير للقلق أن نرى أن المشاكل من جهة تزداد ترابطا فيما بينها، بينما الحلول بالعكس تزداد تجزئة. وليس من النادر أن نجد البعض لا يريدون فتح نوافذ الحوار وبداية شيء من الأخوة، وهذا ينتهي بتأجيج المزيد من التوترات والانقسامات، فضلا عن الشعور العام بعدم اليقين وعدم الاستقرار. بدلا من ذلك، ينبغي أن نستعيد الإحساس بهويتنا المشتركة كعائلة بشرية واحدة".

وعن سوريا واليمن، صرح البابا فرنسيس، "أنني أفكر أولًا في سوريا، حيث لا تلوح حتى الآن في الأفق أية إشارة واضحة لنهضة البلاد. وحتى اليوم، الشعب السوري يبكي موتاه، وفقدان كل شيء، ويأمل في مستقبل أفضل. هناك حاجة إلى إصلاحات سياسية ودستورية، حتى يولد البلد من جديد، ولكن من الضروري أيضا ألا تكون العقوبات المطبقة مؤثرة بشكل مباشر في الحياة اليومية، وأن تقدم الإصلاحات بصيص أمل للسكان، الذين يزدادون كل يوم قربا من لسعات الفقر. ولا يمكننا أن ننسى الصراع في اليمن، وهو مأساة إنسانية تُنَفَذ منذ سنوات في صمت، بعيدا عن الأضواء الإعلامية وبشيء من اللامبالاة من المجتمع الدولي، ولا يزال يتسبب في وقوع العديد من الضحايا المدنيين، لا سيما النساء والأطفال".

وحول فلسطين وليبيا والسودان، اشار الى انه "في العام الماضي، لم يتم إحراز أي تقدم في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. أود حقا أن أرى هذين الشعبين يعيدان بناء الثقة بينهما، ويستأنفان الحديث معا مباشرة ليتوصلا إلى العيش في دولتين جنبا إلى جنب، في سلام وأمن، دون كراهية وضغينة، وأن يتم الشفاء على أساس المغفرة المتبادلة"، موضحًا أنه "عادت المخاوف لإيقاظ التوترات المؤسسية في ليبيا. وكذلك حوادث العنف على يد الإرهاب الدولي في منطقة الساحل، والصراعات الداخلية في السودان وجنوب السودان وإثيوبيا، حيث من الضروري أن يكتشفوا من جديد طريق المصالحة والسلام، بمواجهة صادقة تضع احتياجات السكان في المقام الأول".

وأكد البابا الفرنسيس، أن "الدبلوماسية المتعددة الأطراف تمر اليوم بأزمة ثقة، بسبب انحسار مصداقية الأنظمة الاجتماعية والحكومية وبين الحكومات. هناك قرارات مهمة وتصريحات، وأحكام، تتخذ أحيانا من دون مفاوضات حقيقية ولا يكون لكل الدول رأي فيها. هذا الخلل، الذي أصبح واضحا بشكل مأساوي اليوم، يولد الابتعاد عن المنظمات الدولية من جانب العديد من الدول، ويضعف النظام متعدد الأطراف ككل، ويجعله أقل فاعلية في مواجهة التحديات العالمية".

وكشف أن "الدبلوماسية متعددة الأطراف مدعوة إلى أن تكون ذات طابع شمولي حقًا، فلا تلغي بل تعترف بقيمة التنوع والحساسيات التاريخية التي تميز مختلف الشعوب. بهذه الطريقة، تستعيد مصداقيتها وفعاليتها لمواجهة التحديات القادمة، التي تتطلب أن تتحد البشرية كعائلة كبيرة، والتي، ولو انطلقت من وجهات نظر مختلفة، يجب أن تكون قادرة على إيجاد حلول مشتركة لخير الجميع".

واكد البابا فرنسيس في خطابه أن "الحوار والأخوة هما المحوران الأساسيان للتغلب على أزمات اللحظة الحالية، ومع ذلك، على الرغم من الجهود المتعددة الهادفة إلى الحوار البناء بين الدول، ما زال ضجيج الحروب والنزاعات يزداد ويصم الآذان، فيجب على كل المجتمع الدولي أن يتساءل عن الحاجة الملحة لإيجاد حلول للصراعات التي لا تنتهي، والتي تتخذ أحيانا وجه حروب حقيقية، وحروب بالوكالة".