بعد طول "قطيعة"، حطّ رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية في قصر بعبدا، حيث اجتمع مع رئيس الجمهورية ميشال عون، في إطار لقاءات "ثنائية" اختار أن يعقدها الأخير، في سياق "جسّ النبض" حول مدى قابلية فكرة "طاولة الحوار" للتنفيذ، وكيفية تلقفها من مختلف الفرقاء، من الحلفاء والخصوم على حدّ سواء.

خلافًا لبعض الخصوم الآخرين، مثل رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، لبّى فرنجية دعوة رئيس الجمهورية، لكنّه لم يخرج بتصريحات "مهادنة"، فكرّر مواقفه التي انطوت على رفض لـ"التطبيع" مع "العهد"، معلنًا "مقاطعته" الحوار، مع "تسليم" مسبق بما سيصدر عنه، إن عقد، مراعاة ربما لـ"الحلفاء".

لكن، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا حضر فرنجية إلى قصر بعبدا أساسًا؟ وما حقيقة أنّه فعل ذلك نزولاً عند رغبة "حزب الله"، الذي عاد يتوسّط بين "حليفيه"؟ ولماذا قيل إنّ فرنجية بزيارته إلى بعبدا، أراد "تعبيد طريقه" نحو الرئاسة، وهو ما نفاه "البيك"، موحيًا بأنّ الطريق لذلك تتطلّب "المهادنة" مع الرئيس عون، وهو ما لم يفعله؟.

تتباين القراءات حول "أهداف" زيارة فرنجية إلى قصر بعبدا، وخلفيّات المواقف التي أطلقها، خصوصًا أنّه كان يمكن أن "يعتذر" عن الحضور كما فعل غيره، ولذلك ربما هي "تتقاطع" عند وجود "رسائل" أراد الرجل أن يوجّهها من خلال الحضور، على بعد أشهر من الانتخابات النيابية، وما هو أهمّ منها، الانتخابات الرئاسية التي تشكّل "قبلة اهتمام" فرنجية هذه الأيام.

صحيح أنّ هناك بين المقرّبين من فرنجية والمحسوبين عليه، من يضع الزيارة في إطار "مبدئيّ"، باعتبار أنّ الرجل سبق أن قال إنّه جاهز لتلبية أيّ دعوة تأتي من رئيس الجمهورية، رغم الاختلاف والتباين معه، وهو بالتالي، وجد نفسه مضطرًا للحضور إلى بعبدا، من باب الانسجام والتناغم مع النفس، قبل أيّ شيء آخر، فضلاً عن رغبته بدحض فرضية "الخلاف الشخصي" مع الرئيس ميشال عون، وهو ما تعمّد التأكيد عليه مجدّدًا في تصريحاته للصحافيّين.

لكن، في المقابل، ثمّة أكثر من "مفارقة" يتوقّف عندها المراقبون، فإذا كان الأمر كذلك فعلاً، لماذا يعلن فرنجية أنّه "سيقاطع" طاولة الحوار سلفًا، علمًا أنها ستأتي أيضًا بدعوة من رئيس الجمهورية؟ وأبعد من ذلك، لماذا يقلّل "البيك" من شأن هذا الحوار، فيصوّره وكأنّه "من أجل الحوار" فقط، بل من أجل التقاط الصورة التذكارية لا أكثر ولا أقلّ، وهو ما دفعه إلى الاعتذار عن المشاركة فيه، وفق ما قال؟.

استنادًا إلى هذه الأسئلة "المشروعة"، يعتقد كثيرون أنّ فرنجية بخطوته "شبه الانفتاحية"، أراد القفز "نصف خطوة" إلى الأمام، عبر تسليف "نصف موقف"، إن جاز التعبير، لـ"العهد"، وهو بذلك نجح في "كسر الجليد" مع رئيس الجمهورية، لكنّه في الوقت نفسه رفض "التطبيع" مع "العهد"، ولم يتردّد في "تكريس" الخلاف مع رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، الذي "تعمّد" الفصل بينه وبين الرئيس.

ولعلّ "كلمة السرّ" خلف تلبية "الدعوة الرئاسية" تبقى في مكانٍ آخر، وفق ما يستنتج البعض، وتحديدًا عند "حزب الله"، الذي أقرّ فرنجية بأنّه يبذل جهودًا "خيّرة" للتقريب بينه وبين رئيس الجمهورية، علمًا أنّ هناك من "التبس" عليه الأمر، باعتبار أنّ الحزب بات بحاجة إلى "وسيط" بينه وبين الرئيس على خلفية "التباين" الأخير الذي وقع بين الجانبين، حتى إنّ هناك من اعتبر اللقاء بين عون والنائب محمد رعد هو الآخر، لقاء "كسر جليد".

إلا أنّ هناك في المقابل من يرى أنّ هذا "التباين" الأخير مع عون هو الذي دفع "حزب الله" إلى تنشيط "الوساطة" التي كان قد صرف النظر منذ فترة طويلة، ولذلك فإنّ حضور فرنجية إلى "القصر" جاء بطلب "شخصي" منه، في مسعى منه لإخراج الرئيس من "عزلته"، بعدما "انفضّ" الجميع من حوله، حتى بدا أنّه غير قادر على جمع الأفرقاء ليس على طاولة حوار واحدة، ولكن حتى في حوارات "ثنائية"، قاطعها معظم "الخصوم".

وثمّة من يقول إنّ "حزب الله" قاد مسعاه هذا، ليس "كرمى لعيون" عون بطبيعة الحال، ومن خلفه الوزير السابق جبران باسيل، ولكن "لمصلحته الشخصية"، بعدما أيقن إثر التباين الأخير مع "التيار"، أنّه بحاجة إلى أن يستعيد دور "الدينامو"، إن جاز التعبير، لفريقه السياسي، بعدما كاد "يفقد السيطرة" بالمُطلَق، خصوصًا مع تلويح "التيار" بفكّ التفاهم معه، لانعدام "الفائدة المرجوّة" منه، على مختلف المستويات.

وبين هذا وذاك، ثمّة من يربط "خطوة" فرنجية بـ"طموحاته الرئاسيّة"، ولو نفى الأمر، فهو يسعى لحفظ "هيبة" موقع الرئاسة بمُعزَلٍ عن هوية مالئه، وهو بعكس ما قاله، يدرك أنّ "التقرّب" من عون لن يفيده، لأنّه يعلم أنّ "المرشح المفضّل" للأخير، وربما الوحيد، لخلافته، ليس سوى الوزير جبران باسيل، ولهذا ربما ايضًا أصرّ "البيك" على تمرير "لطشة" لباسيل في سياق كلامه، حتى لا يُفهَم الأمر على غير محمله.

وحتى لو كان ذهاب فرنجية إلى القصر جاء بناءً عند "تمنّي" حزب الله، كما ذهبت بعض المصادر إلى التكهّن، فإنّ الأمر يرتبط أيضًا بالرئاسة، لاعتقاد فرنجية أنّ الحزب سيكون صاحب "الكلمة الفصل" في هذه الانتخابات، وبالتالي فهو يريد أن يحافظ على علاقته الجيدة مع الحزب، لاعتقاده أنّه سيكون "مرشحه" في الاستحقاق المقبل، نتيجة ما يشبه "الوعد" الذي تلقاه منه سابقًا، ولو أنّه لم يكن مباشرًا، لاعتبارات وحسابات خاصة بـ"الحزب".

في النتيجة، يبقى الأكيد أنّ فرنجية الذي "خاصم" العهد منذ اليوم الأول، لن "يطبّع" معه اليوم، على مسافة أشهر من انتخابات رئاسية، يعتقد أنّها ستجدّد "المنافسة"، علمًا أنّ هناك من يؤكد أنّ "بيك زغرتا" لم "يبلع" حتى اليوم ما حصل معه، يوم كانت الرئاسة "في اليد". لكنّ "كلمة السرّ" تكمن هنا أيضًا، فما يهمّ فرنجية اليوم ليس حوارًا لن يقدّم ولن يؤخّر في المعادلة، بقدر ما هو استحقاق الرئاسة، الذي يأتي بالنسبة إليه فوق كلّ اعتبار، ولو بقيت صورته "مبهمة" حتى إثبات العكس!.