على الرغم من الاتهامات الكثيرة التي توجه إلى "​حزب الله​"، في المرحلة الراهنة، بالوقوف وراء تعطيل مجلس الوزراء، سواء من قبل الحلفاء أو الخصوم، إلا أن الحزب يجد أن رسم المعادلات الإقليمية أكثر أهمية من الالتفاف لها، الأمر الذي دفعه إلى رعاية مؤتمر قوى ​المعارضة السعودية​ في ​لبنان​، من دون الاهتمام بالتداعيات التي قد تترتب على ذلك، خصوصاً أن رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ كان قد ذهب، قبل أيام قليلة، إلى مواقف عالية السقف في هذا المجال.

في هذا السياق، ينبغي العودة إلى الوراء لوضع ما حصل في إطاره الطبيعي، نظراً إلى أن النظرة إلى الأمر، من بوابة تصعيد "حزب الله" فقط، قد لا تقود إلى فهم حقيقة الأمور بشكل كامل، لا سيما أن المبادرة إليه كانت قد انطلقت من جانب الرياض، بعد موقفها من تصريحات وزير الاعلام السابق ​جورج قرداحي​ من الأحداث اليمنية.

منذ ذلك الوقت، كان الحزب يشجّع وزير الاعلام على الصمود، بحسب ما تشير مصادر متابعة عبر "النشرة"، نظراً إلى قناعته بأن التنازل من قبل السلطات اللبنانية سيقود المملكة إلى طلب المزيد من التنازلات في المستقبل، وهو ما حصل فعلاً بعد تقديم قرداحي استقالته، بالتزامن مع الزيارة التي كان يقوم بها الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ إلى الرياض، حيث خرجت السعودية لتؤكّد أن المطلوب أكبر من ذلك، مستمرة في الدعوات التي توجه إلى اللبنانيين للوقوف بوجه الحزب، كما حصل في خطاب الملك سلمان بن عبد العزيز أمام مجلس الشورى.

قبل ذلك، تذكر المصادر نفسها، كان وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان قد أدلى بموقف مشابه، خلال مؤتمر باريس لدعم لبنان في شهر آب من العام الماضي، إلا أن ما ينبغي التوقّف عنده كان أن الرياض أظهرت، بعد زيارة ماكرون إلى المملكة، أنها في طور الذهاب إلى المزيد من الخطوات التصعيديّة في المرحلة المقبلة، الأمر الذي ظهر بشكل واضح من وراء شريط الفيديو، الذي زعم ​التحالف العربي​ في اليمن أنه يؤكد تورط الحزب في الحرب الدائرة هناك، خصوصاً بعد أن تسرّب أنها في طور الذهاب إلى إجراءات عملية بناء على ذلك.

بناء على ما تقدم، كان من المتوقع أن تلجأ الرياض، مع بداية العام الجديد، إلى المزيد من الخطوات التصعيديّة باتجاه "حزب الله"، لكن المفاجأة كانت بأن الحزب، عبر أمينه العام ​السيد حسن نصر الله​، هو من أقدم على ذلك، عبر خطابه الذي تولّى فيه الرد على الملك السعودي بسقف عال، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة، إلى جانب العديد من الشخصيّات السياسية، إلى الردّ عليه، إلا أنّ الحزب لم يتراجع عن المسار الذي رسمه، فهو ذهب أولاً إلى الرد على ميقاتي بشكل حازم، ثم بادر إلى الإعلان عن رعايته لقاء المعارضة السعوديّة في بيروت، في مؤشّر إلى أنّه ليس في وارد التراجع.

بالنسبة إلى المصادر المتابعة، أراد "حزب الله"، من خلال الخطوات التي قام بها، أن يوجّه رسالة إلى المملكة بأنّه ليس في وارد التراجع بأيّ شكل من الأشكال، وهو ما تأكد من خلال المواقف التي أطلقها رئيس الهيئة التنفيذية في الحزب السيد ​هاشم صفي الدين​ في مؤتمر المعارضة السعودية، لا بل هو سيذهب إلى الرد على كل خطوة تقوم بها بحجم أكبر منها، بعد أن كان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم قد أكد أن رد الحزب سيتكرر مهما كانت النتائج، على قاعدة: "وإن عدتم عدنا".

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى أن الحزب يدرك جيداً أنّ الرياض لن تكون بعيدة عن الساحة اللبنانيّة في الفترة المقبلة، على عكس ما كان يتوقع البعض، بل هي في طور السعي إلى لعب دور بارز في الانتخابات النّيابية، على قاعدة تأمين فوز تحالف واسع في الأكثرية النّيابية يتبنى مواقفها، ما يتطلب منها زيادة الضغوط، في الفترة الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي، إلى الحدود القصوى، وبالتالي لا يمكن له أن يبقى متفرجاً على هذا الواقع، لا سيما أنّ هدف الرياض الأساسي هو تحسين أوراقها التفاوضية على مستوى المنطقة.

في المحصّلة، هذا الواقع يعني توقع المزيد من المواجهات، السياسية والإعلامية على الأقل، بين الجانبين في المستقبل، الأمر الي سيكون عنواناً أساسياً في الحملات الانتخابية للعديد من القوى السياسية، كما أنه قد يكون مقدمة لما هو أبعد من ذلك، في حال توفرت الإرادة، نظراً إلى أن هذا الاشتباك ينذر بأن لبنان عاد ليكون ساحة لتبادل الرسائل الإقليمية، على وقع مفاوضات عالية السقف من المفترض أن تحسم نتائجها في وقت قريب.