يوم لوّح رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل بفكّ التحالف مع "حزب الله"، في مؤتمره الصحافي الشهير مع بداية العام الجديد، والذي جاء بعد أيام من "رسالة ميلادية" لرئيس الجمهورية ميشال عون لم تَخلُ بدورها من "اللطشات والغمزات" للحليف "القوي"، فضّل الحزب "القفز إلى الأمام"، وتأجيل الكلام "المُباح" إلى وقت لاحق.

فرغم أنّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله أطلّ في اليوم التالي لكلام باسيل، في ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، إلا أنّه ارتأى يومها أنّ المناسبة "لا تحتمل" الكلام الداخلي "المستفيض"، فاكتفى بتأكيد التمسّك بالتفاهم مع "التيار"، والانفتاح على تطويره، واعدًا بإطلالة أخرى "في الأيام المقبلة" تخصّص للحيّز اللبناني.

لم تأتِ الإطلالة "اللبنانية" بعد، رغم مرور أيام على ذلك الكلام، ربما لأنّ "ظروفها" لم تختمر بعد، وفق ما يقول البعض، فضلاً عن أنّ الساحة السياسية انشغلت في الأيام الماضية بدعوة رئيس الجمهورية إلى "طاولة حوار"، وجد فيها "حزب الله" السبيل الأنجع لـ"تصحيح" العلاقات، عبر دعم المسعى الرئاسي ومساندته، في وجه حملات "المقاطعة" المتوقَّعة.

لكن، مع "فشل" المبادرة الرئاسية في تحقيق مبتغاها، و"تعليق" الحوار الذي دعا إليه رئيس الجمهورية، حتى إشعار آخر، أو حتى يغلب "الحسّ الوطنيّ" على المدعوّين المفترضين، وفق ما جاء في بيان لمكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، عادت العلاقة مع "حزب الله" لتثير الجدل، بعدما تضمّن البيان هجومًا واضحًا على الحزب، أسوةً بالمقاطعين، ولو بشكل مضمر.

ففي بيانه، "خلط" رئيس الجمهورية، وفق القراءات والتفسيرات والتحليلات، بين الأفرقاء الذين "أفشلوا" الحوار، ورفضوا المشاركة فيه، أو التشاور حوله من الأساس، وجلّهم من "خصوم العهد"، وبين أولئك الذين "يعطّلون" مجلس الوزراء ويمنعونه من الإنتاجية، رغم أن هؤلاء للمفارقة، وعلى رأسهم "حزب الله"، كانوا أول "الداعمين" للحوار، في الشكل على الأقلّ.

أكثر من ذلك، تضمّن بيان مكتب الإعلام في الرئاسة هجومًا مباشرًا على الحزب، ولو من دون تسميته، حين اعتبر أنّ "استمرار تعطيل مجلس الوزراء هو تعطيل متعمّد لخطة التعافي المالي والاقتصادي، التي من دونها لا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي ولا مع غيره، وبالتالي، لا مساعدات ولا إصلاحات، بل مزيد من الاهتراء للدولة وتعميق للانهيار"، وهو ما اعتبره البيان "بحدّ ذاته جريمة لا تُغتفر بحق الشعب اللبناني".

ولعلّ "دلالات" هذه الرسالة التي صدرت عن رئيس الجمهورية تزداد أهمية، حين تُعطَف على كلام لرئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل قبل أيام، قال فيه إنّ "لا مَوْنة" لديه على "حزب الله"، وأنّه لو كان "يمون" عليه لنجح في دفعه إلى "فكّ الأسر" عن جلسات مجلس الوزراء، وهو ما فُسّر على أنه استمرار لـ"التوتّر والتشنّج" بين الجانبين، والذي لا يبدو أنّ "جولة الحوار" استطاعت التخفيف منه.

أكثر من ذلك، كان لافتًا المسعى "العونيّ" إلى تسليط الضوء أكثر فأكثر على "التباين" بين "التيار" و"حزب الله" لدرجة أنّ القياديين المحسوبين على "التيار"، كما أوساطه ومصادره، لم يجدوا في سبيل دحض فكرة "حوار اللون الواحد"، لو دعا الرئيس إلى الحوار "بمن حضر" كما اقترح باسيل، إلا الإشارة إلى "الخلاف الشاسع" مع "الحزب"، ما يعني أنّ الحوار سيكون مع "متخاصمين"، لا مع "حلفاء".

وسط كلّ ذلك، لا يزال "حزب الله" متمسّكًا بصمته "المطبق"، ربما بانتظار الإطلالة المقبلة لأمينه العام، أو بانتظار "ظروف سياسية" جديدة تفرض "تغييرًا" في الأولويات، علمًا أنّ "رهان" الحزب على "الوقت" لا يبدو ناجحًا هذه المرّة، بعدما بدا أنّ استراتيجيّة "التطنيش والتجاهل" زادت الأمور سوءًا وفاقمتها بين "الحليفين"، ولم تكن "علاجًا فعّالًا" للأزمة المستجدّة، والتي بات "إنكارها" مشكلة بحدّ ذاتها.

ولعلّ اللافت وسط هذه "المعمعة"، أنّ هناك في الأوساط القريبة من "حزب الله" من لا يزال مصرًا على "التقليل" من وقع "التباين" مع "التيار"، بل من يضعه في إطار "موسم الانتخابات" وما يتطلّبه من رفع للأسقف، في "تبنٍّ" ملفت لما يكرّره خصوم "التيار" من أنّ الأخير "يزايد انتخابيًا" لا أكثر ولا أقلّ، رغم أنّ باسيل كان واضحًا في مؤتمره الشهير حين قال إنّ الابتعاد عن الحزب "يضعف" التيار انتخابيًا ولا يقوّيه، بخلاف ما يروّج ويُشاع.

لكنّ العارفين يقولون إنّ "حزب الله" يحاول بهذه القراءة، أن يبدي "تفهّمًا" لما يصدر عن "حليفه"، بعيدًا عن فرضية "توزيع الأدوار" التي يروّج لها الخصوم، الذين يتحدّثون عن "تنسيق" بين الجانبين على "الهجوم والصمت المضاد"، ويرى هؤلاء أنّ مشكلة "الحزب" أنّه لا يستطيع "غضّ النظر" عن "هواجس" حليفه "العونيّ"، كما أنّه لا يستطيع مقابلة "التصعيد بالتصعيد"، لأنّه متمسّك بالتحالف معه لما يوفّره له من "غطاء" لا يزال بأمسّ الحاجة إليه.

ولعلّ إعادة "حزب الله" تنشيط مساعيه للتقريب بين رئيس الجمهورية ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية تندرج في هذا السياق تحديدًا، في محاولة منه لإثبات وقوفه إلى جانب "العهد" ومنع "عزلته"، ولو أنّ مساعيه لم تنجح حتى الآخر في أكثر من "تلبية" فرنجية لدعوة عون إلى "التشاور"، علمًا أنّ رئيس تيار "المردة" أقرّ علنًا بوجود هذه "الوساطة"، ولعلّه فعل ذلك بطلب من "حزب الله"، أو بالحدّ الأدنى، بمباركة ضمنيّة منه.

بين هذا وذاك، الأكيد أنّ العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" تتراجع، عشيّة الانتخابات، من سيء إلى أسوأ، رغم كلّ محاولات الإنكار. صحيح أنّ الانشغال بطاولة الحوار الرئاسية صرف النظر عنها بعض الشيء في الأيام الأخيرة، وصحيح أنّ "الحزب" وجّه الرسائل "الودية" إلى "التيار" في الإطار "الحواري"، لكنّ الصحيح أيضًا أنّ رسائله قوبلت برسائل "غير ودية" في المقابل بالحدّ الأدنى، ولذلك أكثر من "عبرة" ينبغي التقاطها من المعنيّين!.