تحتل دائرة الشوف-عاليه الإنتخابية حيزاً مهماً في الإنتخابات النيابية في لبنان، لأسباب عدّة، اولاً، اعداد النواب البالغ 13 نائباً، موزّعين على الشوف: ثلاثة مقاعد مارونية، مقعدان درزيان، مقعدان سنّيان، مقعد كاثوليكي. وعاليه: مقعدان لكل من الموارنة والدروز ومقعد ارثوذكسي.

ثانياً، يعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي ان حساباته الوجودية بكل المقاييس السياسية والجغرافية والديمغرافية تقضي بأن يحافظ على قوته الوازنة في الشوف-عاليه، وهو يتمثّل حالياً بثلاثة نواب دروز(تيمور جنبلاط، مروان حمادة، وأكرم شهيب) من اصل اربعة، الرابع هو رئيس الحزب الديمقراطي النائب طلال ارسلان.

ثالثاً، تسعى القوّتان الاساسيتان في الساحة المسيحية اي التيار الوطني الحر وحزب القوات لإبقاء نفوذهما في منطقة شهدت معارك وجودية في الحرب، وعناوين مصالحات وتسويات في ايام السلم، من دون ان تكتمل عودة المهجرين، ولا ان تفتح تحالفات مُستدامة بين القوى السياسية.

رابعاً، تسعى القوتان الدرزيتان: الحزب الديمقراطي في عاليه، وحزب التوحيد العربي في الشوف الى توسيع مكاسبهما الشعبية على حساب التقدمي الاشتراكي، خصوصاً في ظل عملية التسلّم التي يجريها رئيس الحزب المذكور وليد جنبلاط لنجله النائب تيمور جنبلاط.

خامساً، تطمح منظمات المجتمع المدني الى تحقيق خرق في دائرة الشوف-عاليه، مستندة الى حالة شعبية اعتراضية واسعة، تتمدد على حساب الأحزاب في كل الطوائف. وتخشى القوى السياسية التقليدية من نيل لائحة "قوى التغيير" الحاصل الانتخابي.

بالأرقام، أثبتت نتائج إستطلاع للرأي اجراه مركز الإستشراف الاقليمي للمعلومات قدرة "المجتمع المدني" على نيل حوالي ٢٠٪؜ من الناخبين في هذه الدائرة. وهو رقم يتيح لتلك المنظّمات(في حال توحّدت) أن تكسب نيابياً في الانتخابات المقبلة.

لكن هناك معوّقات عند "قوى التغيير" ناتجة عن طموحات الناشطين الراغبين بالترشّح، عدا عن الأجندات السياسية لأحزاب تسعى لأن تمتطي حصان "الثورة"، كحزب الكتائب، لإيصال مرشحين حزبيين.

وبحسب المعلومات فإن المنظمات كانت ترصد مسار الناشط الأبرز في عاليه مارك ضو الذي ينتمي الى "جبهة المعارضة"، لكنه أُجبر على عدم التحالف مع الكتائب تحت طائلة تخلّي المجموعات عن دعمه. لكن لا توحي كل المعطيات ان هناك توافقاً ممكناً بين منظّمات "المجتمع المدني" بسبب تعدّد الفيتوات والسباق العلني بين الناشطين الراغبين بالوصول الى ساحة النجمة.

واكدت المعلومات تكثّف المساعي لفرض وحدة انتخابية، وتمّ عقد اجتماع الثلاثاء الماضي في كفرحيم الشوفية، نتج عنه اعلان معايير للترشّح، والاتصال بمجموعات "الثورة"، على أمل الوحدة بينهم كقاعدة لخوض الانتخابات.

وبإنتظار ما سينتج عن المفاوضات المفتوحة بين مجموعات الشوف-عاليه، لا يجد متابعون إمكانية لتقديم لائحة تغييرية واحدة، بل قد تتشكّل إثنان او ثلاث لوائح تكرّر ما حصل في الانتخابات الماضية عام 2018.

على الجبهات السياسية سجّلت نتائج استطلاع الرأي تراجع كل القوى السياسية من دون استثناء، وخصوصاً الحزب التقدمي والتيار الوطني الحر وحزب القوات وتيار المستقبل. لذا، يسعى جنبلاط الى عقد تحالف يجمعه مع القوات والمستقبل، لتكرار نتائج الانتخابات الماضية. لكن الارقام التي اظهرها الاحصاء المذكور بيّنت عدم قدرة هذا الحلف على حصد المقاعد ذاتها.

في الشوف يستطيع التيار الازرق حصد مقعده السنّي الذي كان فاز به النائب محمد الحجار، فيما يقدر نائب التقدمي بلال عبدالله ايضاً على ابقاء تمثيله للمقعد السنّي الثاني مجدداً. اما المقاعد المسيحية فأظهرت الارقام قدرة القوات على تأمين مقعد ماروني للنائب جورج عدوان، وقدرة التيار الوطني الحر على كسب مقعد نيابي قد يكون المقعد الكاثوليكي (المرشح غسان عطالله)، في حال قرر التيار البرتقالي تجيير كامل اصواته له، وليس تقسيم الاصوات بين المرشحين الكاثوليكي والماروني، كما كان فعل في الانتخابات الماضية.

اما المقعد الماروني الثاني فسيكون لصالح النائب فريد البستاني الذي اظهر الاستطلاع قدرته على حصد كتلة شعبية وازنة تستطيع ضمن لعبة الحواصل التي ستنالها اللائحة ان تثبّته في مقعده، خصوصاً ان خيارات الناخبين ستكون بإتجاه شخصيات خدماتية وتنموية، ليبقى المقعد الماروني الثالث في مساحة السباق بين القوى وحواصل اللوائح. فهل يقرر جنبلاط تجيير اصوات درزية لصالح مرشحته عن هذا المقعد حبّوبة عون، بعد التخلي عن دعم مرشح المقعد الكاثوليكي الذي يمثله حالياً النائب نعمة طعمة؟ ام ان التقدمي سيدعم المرشح المحتمل شارل عربيد؟.

لا يبدو ان بمقدور التقدمي توزيع اصواته كما فعل عام 2018، خصوصاً ان الارقام اثبتت تراجع شعبيته، مقابل ثبات خصمه رئيس حزب التوحيد وئام وهاب الذي تؤكد الاحصاءات قدرته على الفوز بأحد مقعدي الشوف الدرزيين .فهل يضع جنبلاط عنوان إمساك اللعبة الدرزية اولوية، بعد تسرب اعداد من حزبه نحو منظمات المجتمع المدني؟.

في الساحة المارونية ايضاً في الشوف، اثبتت الاحصاءات تراجع حظوظ الوزير السابق ناجي البستاني الذي غاب عن الساحة الشوفية والسياسية منذ الانتخابات الماضية، بعدما تنقّل في جبهات سياسية عدة ومتناقضة في الفترة الماضية. لكنه بات الأقل تأثيراً وقدرة على جذب الاصوات التي كانت تصنّف في خانة مؤيديه، بحسب استطلاع للرأي. علماً ان متابعين يقولون ان هناك مساع لفرض فوز ناجي البستاني، وهو امر صعب نظراً للموازين الحالية.

الى عاليه، ينطلق الحديث الانتخابي من ثوابت اهمها مقعد ارسلان، ومقعد الاشتراكي درزياً. واذا كان الوطني الحر يستطيع فرض فوز مرشحه الماروني في هذه الدائرة، فإنّ هناك تبادلاً قواتياً اشتراكياً بين المقعدين الارثوذكسي والماروني، قضى بفرض جنبلاط سامر خلف (ارثوذكسي) وتخلي القوات عن المقعد الذي يمثله حالياً النائب انيس نصار، مقابل ترشيح معراب لمنسق القوات في عاليه اميل مكرزل.

وبحسب المعلومات فإن ترشيح القوات لمكرزل سيؤدي الى حصول تباين حاد قد ينعكس على باقي الدوائر الانتخابية مع رجل الاعمال انطون صحناوي الذي يدعم ترشيح راجي السعد(ابن خالة الصحناوي) على المقعد الماروني في عاليه. وهو ما يصنف تحت عنوان التحدي القواتي لصحناوي. كما ان الأمر ذاته سيؤثر على علاقة الاشتراكي بصحناوي ايضاً.

في اي حال، ستكون الاسابيع القليلة مساحة كافية للأخذ والرد والتفاوض وحسم التحالفات قبل الاعلان عن اللوائح في دائرة معقدة الحسابات.