بعد انتظار طويل، تشكّلت حكومة ​نجيب ميقاتي​ في 10 أيلول 2021، إلّا أنّ انطلاقتها سرعان ما تفرملت، مع مقاطعة ما يُعرف بـ"الثّنائي الشّيعي"، أي "​حزب الله​" وحركة "أمل"، جلسات مجلس الوزراء اعتبارًا من 12 تشرين الأوّل الماضي، على خلفيّة اتّهامها المحقّق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بتسييس الملف، واشتراطهما أن يَتّبع البيطار القانون والنّصوص الدّستوريّة، بحسب مزاعمهما، في ما يتعلّق بمحاكمة الوزراء والرّؤساء.

على مدى ثلاثة أشهر، اتّهم قياديّو ومسؤولو ومنصارو الحركة والحزب، المحقّق العدلي بالاستنسابيّة والتّسييس، حتّى أنّ نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشّيخ نعيم قاسم، أكّد في وقت سابق اليوم، أنّ "القاضي البيطار ومن يقف وراءه، هم السّبب المباشر وراء تعطيل المؤسّسات الدّستوريّة ومصادرة عمل المجلس النّيابي".

لكن المفاجأة تمثّلت بإعلان "أمل" و"حزب الله"، مساء اليوم، "الموافقة على حضور جلسات مجلس الوزراء المخصّصة لإقرار الموازنة العامّة للدّولة ومناقشة خطّة التّعافي الاقتصادي، وكل ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي للّبنانيّين"، وذلك "استجابةً لحاجات المواطنين الشّرفاء وتلبيةً لنداء القطاعات الاقتصاديّة والمهنيّة والنّقابيّة، ومنعًا لاتّهامنا الباطل بالتّعطيل، ونحن الأكثر حرصًا على ​لبنان​ وشعبه وأمنه الاجتماعي"، بحسب بيان مشترك صادر عنهما.

وعلى الرّغم من أنّ نصّ البيان تضمّن شرحًا للأسباب والظّروف الّتي أفضت إلى هذا القرار، لكنّ التّساؤلات بدأت تُطرح عن الخلفيّات غير المُعلنة لهذه العودة المفاجئة، وما إذا كان هناك نوع من صفقة أو تسوية ما حيكت في الكواليس.

في هذا الإطار، أوضح المستشار السّابق لميقاتي المحلّل السّياسي ​خلدون الشريف​، في حديث إلى "​النشرة​"، أنّ "سبب قرار الثّنائي هو أوّلًا حسن نيّة خارجي بأنّ الأمور تتّجه نحو الحلحة في الإقليم، وثانيًا إعداد واستعداد لاستقبال الوسيط الأميركي في عمليّة التّفاوض ل​ترسيم الحدود​ البحريّة الجنوبيّة ​آموس هوكشتاين​".

ولفت إلى أنّ "حفلة" التّرسيم تحتاج إلى حكومة للتّوقيع على الاتّفاقات، وأنّ مفتاح الحل بالسّياسة هو ترسيم الحدود، والتّرسيم بحاجة إلى موافقة حزب الله"، كاشفًا أنّ "هوكشتاين سَرّ لإحدى الشخصيّات الدبلوماسيّة الأجنبيّة في واشنطن، أنّه للمرّة الأولى يشعر بأنّ هناك جديّةً لدى كلّ الأفرقاء اللّبنانيّين لترسيم الحدود مع الجانب الإسرائيلي، وبكلّ الأفرقاء يعني "حزب الله" ضمنًا".

هذا الإعلان لم يفصله الشّريف عن العديد من الأحداث الإقليميّة، فرأى أنّ "إعادة الحديث عن المبادرة الإيرانيّة للحلّ في اليمن، الّتي تنصّ على وقف إطلاق النّار، تزامنًا مع تقدّم لواء "العمالقة" في اليمن في الفترة الأخيرة، والتغيّر في موازين القوى هناك، بالإضافة إلى تراجع سعر صرف الدولار في السّوق السّوداء في لبنان، وزيارة السّفيرة الأميركيّة ​دوروثي شيا​ لميقاتي، وتناولهما موضوع النفط والغاز المصري، فضلًا عن مسألة ترسيم الحدود اللّبنانيّة- الإسرائيليّة... كلّ هذا الكلام ينمّ عن أنّ ​الاتفاق النووي​ الّذي "يُطبخ" في فيينا، بدأت إرتداداته الإقليميّة تُستحس في لبنان وغيره من الدّول".

الترقّب هو سيّد الموقف في المرحلة المقبلة، مع نضوج العديد من الملفّات المحليّة والإقليميّة، والتغّيرات السّياسيّة والاقتصاديّة، الّتي يبدو أنّها تمهّد لاتفاق نووي شامل وذات أبعاد إقليميّة ودوليّة.