لا يختلف اثنان على ان المظلة الدولية انحصرت بشكل اساسي منذ اكثر من عقد من الزمن، على الشق الامني بحيث ان لبنان، وعلى الرغم كل المصائب والويلات والنكبات التي ضربته ولاتضربه، بقي محافظاً على الاستقرار الامني فيه، بفضل القوى الامنيّة طبعاً، ولكن الفضل الابرز هو للخارج الذي منع وبحزم، اي فلتان امني شامل، بحيث اقتصرت على بعض الاشكالات والخلافات والمناوشات، كان اخطرها حادثة "الطيونة" التي تم تطويقها... امنياً فقط فيما تستمر تداعياتها السياسية.

ولكن، في مقابل هذا الارتياح، يستمع المواطن اللبناني كل يوم الى المعاناة التي يشتكي منها عناصر وضباط القوى الامنية من جيش لبناني وقوى امن داخلي وامن عام وامن دولة... هؤلاء يتحدثون في مجتماعتهم عن ظروف لم يشهدوها من قبل حتّى في عزّ الحروب التي مرّت على لبنان، فهم باتوا اكثر من قلقين على اوضاعهم واوضاع عائلاتهم، ووفق معلومات مؤكّدة فإنّ قادة الاجهزة الامنية وصلوا الى مرحلة "دقّ ناقوس الخطر"، على الرغم من علمهم ان الامن ممسوك، ولكن ما يثير مخاوفهم هو الارقام التي تصلهم عن عمليات الفرار من الخدمة، وطبات التسريح التي يقاومونها بشتى الانواع، اضافة الى الشحّ المالي والتعويضات والتقديمات الصحية والاجتماعيّة، وهي كلها امور قد تؤدي اذا ما تفاقمت، الى الخشية من حصول نوع من "التمرّد" الصغير نسبياً. وعلى الرغم من التطمينات التي اطلقها وزير الداخلية بسام الموسوي، والتي عليه ان يقولها اياً تكن الاوضاع لعدم بثّ الذعر والقلق لدى المواطنين، الا انّ الواقع يتحدث بمعطيات اخرى، يعرفها كل شخص قريب من عنصر وضابط في القوى الامنية والعسكرية.

وتعملالقيادات الامنيّة على محاولة امتصاص هذه الازمة، فغضّت النظر عن قيام العناصر بأعمال اخرى لتأمين لقمة العيش، كما عمدت الى "تقنين" ساعات العمل والحدّ من التنقّلات التي باتت تكلف العنصر اكثر من نصف راتبه، وعمدت الى اقرار تشكيلات تضع العناصر قرب منازلهم، وغيرها من التدابير التي من شأنها التخفيف قدر الامكان من المصاريف. وفي ظلّ استعمال المسؤولين المحليّين الاذن الصمّاء مع اصوات القوى الامنية، يجب على الخارج ان يتدخّل بحزم، وهو قام بتحرك لتأمين المواد الغذائية وبعض الامور اللوجستية الى هذه القوى، ولكن لا بد من تحرك اكثر عملاني وخصوصاً لجهة ارسال بعض السيولة بالعملات الصعبة، تكفي لتقطيع الوقت ريثما تنتهي الانتخابات النّيابية ويسدل الخارج السّتار على هذه المسرحية الثقيلة التي يفرح المسرؤولون المحليّون بأنّهم ابطالها فيما يكتفون فقط بتأدية ادوارهم الى حين تغيير السيناريو.

لا يمكن لوم عنصر امني بعد اليوم على تخطّيه بعض الحدود الموضوعة والضوابط العسكريّة الصارمة التي لطالما كانت تنفّذ بحذافيرها، الا ان الخوف الحقيقي يبقى محصوراً في حالات صغيرة في مختلف الثكنات والمناطق، ان لجهة حالات الانتحار، او لجهة عدم الالتزام بالاوامر، او حتى امكان ظهور مشاكل نفسية مميتة وخطيرة على عدد من افراد العنصر المعني... ليس الهدف من هذا المقال اثارة الخوف لدى الناس بقدر ما هو القاء الضوء على مشكلة خطيرة تلوح في الافق، ولا يكفي التغنّي بالغطاء الامني الدولي، بل من الواجب التحرك بفاعليّة على الخطّين المحلّي والدولي، لتذليل كل العقبات الاساسية واستعادة الاجواء المستقرة الى حد ما مادياً ومعيشياً بالنسبة الى السلك العسكري، فالوضع الامني هو الوحيد الصامد بين كل الاوضاع الاخرى التي تتهاوى واحدة تلو الاخرى، ويجب على الخارج، الحريص على اجراء الانتخابات النيابية قبل اي شيء آخر، الحفاظ على اوضاع العسكريين والامنيين والا فإنّ الرهان على اجراء هذه الانتخابات سيكون مقامرة خاسرة.