لفت ​السفير البابوي​ وعميد السلك الدبلوماسيّ المونسنيور جوزيف سبيتري، خلال لقائه رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، مع وفد من أعضاء السلك الديبلوماسي ومديري المنظمات الدولية، إلى "أننا نتمنى لرئيس الجمهورية ولكلّ شعب لبنان، البركات الوفيرة بحلول العام الجديد، لم نتمكّن في العام الماضي، للأسف، من المشاركة في هذا الحفل التقليديّ والمهمّ. كان لقاؤنا الأخير في بداية عام اليوبيل 2020، الذي كنّا نتمنّاه، ولأجل ذلك صلّينا، أن يكون عامًا من التجدّد للبنان".

وأشار إلى "اننا أعربنا في تلك المناسبة، عن أطيب التمنّيات، قلنا "نودّ أن نشجّع اليوم جميع اللبنانيّين، على الثبات في التزامهم بالحرّيّة والحقوق الأساسيّة والديمقراطيّة والتضامن، لكي يستمرّوا في بعث الأمل بإمكانيّة العيش المشترك المتناغم والتقدّم، ليس فقط في بلد الأرز، بل أيضًا في البلدان المجاورة"، اعتَقَدَ الكثير من اللبنانيّين، أنّ الذكرى المئويّة لإعلان دولة لبنان الكبير، كانت لتشكّل فرصةً فريدةً للقيام بالإصلاحات الضروريّة، التي من شأنها أن تعود بالفائدة على جميع المواطنين، ورأى الكثيرون في المظاهرات الحاشدة التي حصلت منذ تشرين الأول 2019، والتي حرّكتها فئة الشباب اللبنانيّ بشكلٍ خاصّ، فرصةً فريدةً لممارسة الضغوطات على القادة السياسيّين والسلطات الماليّة، من أجل إحداث تجديدٍ سياسيّ واقتصاديّ واجتماعيّ، يشمل لبنان بأسره. لكن، ولسوء الحظّ، لم يجرِ الأمر كذلك".

وأوضح السفير، أنه "كان للمحن الشديدة التي شهدها العامان الماضيان وقعٌ كارثيّ، مَن مِنّا لم يشعر بالخراب الذي تسبَّبت به ​جائحة كورونا​ في اجتياحها كلّ أنحاء العالم؟ لا زال لبنان يكافح العواقب الوخيمة لهذا الوباء، ومن يمكنه أن ينسى تفجير مرفأ ​بيروت​ المأساويّ، نتيجة الإهمال الإجراميّ؟ من لا يتذكّر جميع الضحايا الأبرياء، والدمار الهائل الذي تسبّب به الانفجار، والمشاكل الاجتماعيّة التي ولّدها؟ أو كيف ننسى الضحايا الأبرياء الآخرين نتيجة الإنهيار الإقتصاديّ؟ وهل يمكننا أن نتجاهل المعاناة المعنويّة والنفسيّة، لأولئك الذين دُفعوا تحت خطّ الفقر، بسبب سوء الإدارة الماليّة وغياب المساءلة، وحتّى بسبب فساد الكثيرين ممّن هم في مواقع السلطة؟ لكنّ هذه المصاعب، مع كلّ ما حملت معها من آلام، لم تطفئ شعلة الحرّيّة ولا روح التضامن لدى اللبنانيّين".

وأكد أنه "لا، لم تطفئها، إذ إنّ هذا ما نراه بأمّ العين كلّ يوم، فالناس يكافحون لتدبير معيشتهم، لكنّهم في الوقت نفسه يهتمّون بمن هم أقلّ يُسْرًا، وكان هذا التضامن ممكنًا أيضًا بفضل مساعدة الاغتراب اللبنانيّ، وبفضل المساعدات المتواصلة والسخيّة التي تقدّمها الأمم والمنظّمات الدوليّة الممثَّلة هنا أمامكم".

وأعلن السفير، أنَّ "العديد من زملائي المحترَمين موجودون في لبنان، منذ سنواتٍ عدّة، وهم، خلال هذه الفترة، قد نموا في محبّة اللبنانيّين وتقاليدهم، بالرغم من صعوبة فهمها، في بعض الأحيان، حتّى الدبلوماسيّون الذين وصلوا مؤخّرًا، نراهم مشدودين، وبشكل سريع، نحو بلاد الأرز، أغتنم هذه الفرصة لأحيّي جميع رؤساء البعثات، الذين أنهوا مهامّهم في بيروت خلال العامَين الماضيَين ولأرحّب بجميع الوافدين الجدد".

وصرّح أنَّ "أسرتنا الدبلوماسيّة تشارك إخواننا وأخواتنا اللبنانيّين، شؤونهم وشجونهم اليوميّة، لا يغفل عنّا أبدًا أنّ عددًا من البعثات الدبلوماسيّة، تعرّضت لأضرار مباشرة وجسيمة، جرّاء انفجار المرفأ في ​4 آب​ 2020، حتى إنّ بعضَ هذه البعثات فقدت أفرادًا من طواقمها، أمثال زوجة السفير الهولنديّ السابق ومستشار السفارة الألمانيّة".

وكشف السفير، أنه "نعلم جميعًا، ما انفكّ المجتمع الدوليّ يطالب السلطات اللبنانيّة، بتنفيذ رزمة من الإصلاحات. وقد شهدنا خلال العامَين الماضيَين تعاقب حكومات، مع تسمية رؤساء وزراء، قائمين، مستقيلين أو يتولّون تصريف الأعمال، كذلك، نشعر بقلقٍ كبير إزاء الشلل الحاليّ، على صعيد اجتماعات ​مجلس الوزراء​. وإنّنا، إذ نوجّه كلّ التهنئة إلى رئيس مجلس الوزراء ​نجيب ميقاتي​، على قبوله هذه المهمّة الصعبة، نتمنّى له أيضًا النجاح في استئناف نشاط عمل مجلس الوزراء، الذي لا غنى عنه".

وذكر "أننا نأمل في أن يضع جميع الوزراء والقادة السياسيّين، احتياجات المواطنين على رأس قائمة أولويّاتهم، وأن يبذلوا قُصارى جهدهم للتوصّل إلى قراراتٍ مشتركة، تضمن استرداد كرامة سكّان لبنان جميعهم. ولكن، لا حلول يمكن التوصّل اليها، بدون حوار صادق، قائم على أساس احترام الآخر، كما ذكرتم مؤخّرًا، بالفعل، إنّ الحوار المستمرّ على الأصعدة كافّة، وحده، وليس فرض الايديولوجيّات، يستطيع أن يساعد في توضيح الاحتياجات الحقيقيّة لمختلف مكوّنات المجتمع اللبنانيّ، والسماح باتّخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذها".

وشدد على أن "المجتمع الدوليّ، يصرّ على ضرورة إجراء انتخابات حرّة ونزيهة وشفّافة، لا ينبغي لأيّ حزبٍ سياسيّ أن يخشى عرض برنامجه ومرشّحيه، على المواطنين المدعوّين للتعبير عن رأيهم السياديّ. في الواقع، من واجب المواطنين، لا بل من حقّهم، التعبير عن آرائهم بحرّيّةٍ، من خلال الإدلاء بأصواتهم، وبالتالي اختيار الأشخاص الذين سيخدمون في مجلس النوّاب، وقد يكون من المفيد حتمًا أن توقِّع الأحزاب السياسيّة المشارِكة في الانتخابات المقبلة، اتّفاق احترام متبادل، بدل اللجوء إلى حملات التشهير، صونًا لكرامة كلّ مرشّحٍ وكلّ حزبٍ وكلّ انتماء. نحن نفترض أنّ كلّ مرشّح يحمل خير لبنان في قلبه، وبالتالي ينبغي احترامه".

ولفت السفير، إلى "انني كنتُ يوم السبت الماضي، في طرابلس، لحضور حفل افتتاح مركزٍ لمساعدة الشباب في التغلّب على مشاكل الإدمان على المخدّرات، وقد أُطلق على هذا المركز بجدارةٍ اسم "فرصة"، وهو كناية عن مبادرة اجتماعيّة مشتركة بين جمعيّة "المنهج الخيريّ" الإسلاميّة وجمعيّة "أمّ النور" المسيحيّة، التي كانت أيضًا قد تعاملت مع مؤسّسة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، وفي ذلك مثالٌ واضحٌ على تعاون لطالما تميّز به لبنان في خدمة جميع المواطنين، بحيث يمثّل الجذور الراسخة للّبنانيّين الذين يعرفون كيف يتكاتفون في أوقات الحاجة لتقديم الدعم المتبادل".

واعتبر أن "بلاد الأرز غنيّةٌ بأمثلةٍ كثيرة مماثلة، في مجالات التعليم والرعاية الصحّيّة، كما على صعيد المبادرات الاجتماعيّة والفنّيّة، إنّ آلاف الشباب، إلى جانب فئاتٍ أخرى أكثر تقدّمًا في السنّ، الذين توحّدوا تحت راية العلم اللبنانيّ خلال الاحتجاجات الحاشدة على مرّ العامَين الماضيَين، لم يمثِّلوا انتماءاتٍ أو أحزابًا سياسيّة، بل تحرّكوا فقط بدافع محبّتهم للبنان. يا له من تناقضٍ مع كلّ أولئك الذين يحاولون إعادة تأجيج النعرات الطائفيّة التي تهدِّد روح الأخوّة".

وذكّر السفير، أنه "قبل عشر سنوات، قال البابا بنديكتوس السادس عشر، خلال زيارته لبنان، الكلمات التالية هنا في القصر الجمهوريّ: "كلُّ بلدٍ هو غنيٌّ قبل كلّ شيءٍ بالأشخاص الَّذين يحيون على أرضه. يتوقَّف على كلِّ شخصٍ منهم وعليهم كلّهم مجتمعين مستقبلُه وقدرتُه على العمل من أجل السّلام" (15 أيلول 2012)".

وأكد "أننا ندرك أنّ الدستور اللبنانيّ، يقوم على حقوق المواطنين وليس على مطالب مختلف الانتماءات. إنّ احترام هذه الحقوق تعزّز الأخوّة التي هي أساسيّة في تحديد أخلاقيّة الممارسة اللبنانيّة للسلطة، على كلّ المستويات. في الواقع، ليست السلطة، على مختلف الأصعدة، مجرّد إمكانيّة فرض القوّة على الآخرين، بقدر ما هي براعة في فهم احتياجات كلّ شخص بشريّ، تسهيلًا لنشوء حوار قائم على الاحترام يفضي بدوره إلى قراراتٍ مشتركة لصالح نموّ المواطنين والوطن".

ورأى السفير، أنّ "السلطة تحترم قاعدة القانون، كما تعزّز الحريّة، لأنّ وحدهم الأفراد الأحرار يستطيعون العمل معًا من أجل السلام والتنمية البشريّة المستدامة، حيث لا يُترك أحدٌ خارجًا".

وأشار، متوجهًا بكلامه إلى رئيس الجمهورية، إلى "أننا فيما نتقدّم منكم ومن عائلتكم بأطيب التمنّيات بحلول العام الجديد، نيابةً عن جميع رؤساء الدول، الّذين لنا شرف تمثيلهم لديكم، نجدّد تضامننا الراسخ مع لبنان وشعبه. ونتمنّى أن يترفّع المسؤولون كافّة عن المصالح الطائفيّة لصالح تعزيز ثقافة الشفافيّة والمساءلة والعمل معًا من أجل إنقاذ لبنان. حسبنا أن نرى اللبنانيّين كافّة يستعيدون ملء كرامتهم. ونأمل ألّا يكون ذلك مجرّد فرصة أخرى ممكنة، بل يُصبح واقعًا بفضل الصمود المعتاد والإبداع والروح الحرّة وحسّ التضامن، التي لطالما تميّز بها الشعب اللبنانيّ"، خاتمًا "بارك الله لبنان، وباركنا جميعًا".