يواصل زعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري مشاوراته التي حصرها أمس بـ"أهل البيت"، وكشف مصدر مواكب للمشاورات التي باشرها الحريري فور عودته أول من أمس إلى بيروت قادماً من أبوظبي أنه يميل إلى العزوف عن خوض الانتخابات النيابية، وقال لـ "الشرق الأوسط" بأن خوضه لها ليس مُدرجاً على جدول أعماله ترشحاً أو من خلال دعمه للوائح انتخابية تضم مرشحين عن "المستقبل" أو آخرين يدورون في فلك التيار الأزرق.

ولفت المصدر المواكب إلى أن الحريري أوشك على اتخاذ قراره بعدم التدخل في الانتخابات النيابية، ولا من خلال مرشحين مستقلين، وقال إنه يترك للنواب الحاليين الأعضاء في كتلته النيابية والمنتمين للتيار الأزرق الحرية في اتخاذ القرار المناسب ترشحاً أو عزوفاً عن خوض الانتخابات، إنما على مسؤولياتهم الشخصية.

وأكد أن الحريري باقٍ حالياً في بيروت بين محازبيه وجمهوره المتواجد على مساحة الوطن، وقال إنه هو من يقرر توسيع مشاوراته لتشمل قيادات وأطرافاً أخرى، مع أن ميله للعزوف عن خوض الانتخابات، وقبل أن يُعلن موقفه شخصياً في الأسبوع المقبل، أدى إلى إحداث حالة من الإرباك تجاوزت جمهوره إلى المكونات السياسية الرئيسة بالبلد، لأنه بقراره سيؤدي إلى إعادة خلط الأوراق الانتخابية تحالفاً وترشحاً.

"الجماعة ما ردوا خبر بعد"

وذكرت "الديار" بانه وفقا لاوساط سنية رفيعة المستوى ومقرّبة من الحريري ودار الفتوى، فإن جولة الحريري والتي شملت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان اقتصرت على "الكلام والسلام".واكتفى الحريري بالقول: "الجماعة ما ردوا خبر بعد". ويقصد الحريري المعنيين بالملف اللبناني في السعودية.

وكشفت الاوساط ان المحيطين بالحريري في "جو قرار مهمّ له"، ولكنه ينتظر آخر وساطة فرنسية مع الرياض لحل المشكلة، واقترح الحريري مهلة 48 ساعة منذ وصوله وعلى الارجح تنتهي اليوم.

الحريري "يتنحّى" الاثنين

وفي السياق، ذكرت "الاخبار" بان اجتماعات الحريري، أمس، لم تتضمّن نقداً ذاتياً أو مُراجعة، بل عرْض لخيارات يدرسها الحريري، بدءاً من عزوفه عن الترشّح للانتخابات النيابية، مروراً بحلّ الماكينات والمنسقيات والتيار ككل. "الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات"، هذا ما أوحى به الحريري الذي لم يفرج دفعة واحدة عمّا يخطّط له.

كل نائب في الكتلة أدلى بموقفه، وتقاطعوا جميعاً عند رفض قرار الانسحاب بالكامل من المشهد. وحده النائب سمير الجسر كان خارج السرب، و"قدّم مطالعة سياسية وقانونية التقت مع الحريري في مقاربته للأمور منذ عام 2005، وبخاصة بعد أحداث 17 تشرين". آما الآخرون فقد أصابتهم حال من الذهول والصدمة والاستياء الكبير من "تغليب الحريري مصلحته الشخصية على مصلحة التيار ككل". لم تكُن الأجواء داخل الجلسة حادة، كما قيل، لكنها كانت "ثقيلة". صحيح أن الغالبية كانت تتوقّع ما سيقوله، نتيجة ما تسرّب قبيل مجيئه، لكن "الاحتضار يختلف عن الموت".

أكثر من نائب في الكتلة أكدوا للحريري أن "قراره بعدم الترشح أو تبنّي لوائح غير منطقي أو مقبول. لا بل هو قرار مُجحف وستكون له تداعيات كبيرة على الجمهور وعلى الطائفة وعلينا". ورفض عدد من النواب ما قيل عن نسبة التأييد في الشارع، مشيرين إلى أن "لديهم أصواتاً انتخابية كثيرة في مناطقهم، وأن ما يساعدهم هو غياب البديل". لكن الحريري لم يظهر اقتناعاً بكل ما قيل، وأكد أنه "يفضّل أن لا يخرج حالياً أي موقف رسمي عن التيار"، لأنه يريد أن يستكمِل جولته السياسية. لكن "أريدكم الاثنين هنا، كل أعضاء الكتلة"، كما نُقل عنه، مع التداول بمعلومات عن نيته عقد مؤتمر صحافي لإعلان الموقف رسمياً، ويريد أن تكون الكتلة معه للإيحاء بوجود تأييد نيابي لهذا الموقف.

لن يترشح

بالمقابل، قالت مصادر في كتلة "المستقبل" لـ"الجمهورية"، انّ الحريري قدّم عرضاً للمشهد السياسي بصورة عامة، متوقفاً عند الآثار الكارثية التي حلّت بالوضع الاقتصادي والمالي، وجراء السياسات التي اتبعها العهد الحالي، وصولاً الى الاستحقاق الانتخابي.

وكشفت المصادر، انّ الحريري اكّد للمجتمعين بشكل واضح وصريح انّه قرّر عدم المشاركة نهائياً في الانتخابات لا هو شخصياً، ولا تياره السياسي، اي تيار "المستقبل".

ولفتت المصادر، الى انّ الحريري صارح الحاضرين في الاجتماع بأنّ تيار "المستقبل" لن يقدّم أي مرشح لهذه الانتخابات، ولن يتبنّى أي مرشح، وسمع اعضاء كتلته منه انّه حتى ولو أراد ممن هم اعضاء حالياً في الكتلة، او ينتمون الى تيار "المستقبل"، ان يترشحوا للانتخابات، فإنّ ترشيحهم على مسؤوليّتهم ويكون بإسمهم الشخصي وليس بإسم التيار.

نصائح ومخاوف

وفي موازاة الحديث عن أنّ موقف الحريري قد بات شبه محسوم لناحية عزوفه عن الترشّح في الانتخابات المقبلة، علمت "الجمهوريّة" انّ حركة اتصالات مكثفة تجري لثني الحريري عن قرار العزوف، وخصوصاً انّ خطوة كهذه قد تشرّع الباب على احتمالات غير محمودة.

وبحسب معلومات "الجمهورية"، فإنّ رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، بحسب ما يُنقل عنه، لا يحبّذ خروج الحريري، وإن حصل ذلك، يكون خطأ كبيراً.

وكشفت مصادر "اشتراكية" لـ "الجمهورية" عن انّ الاتصالات مع الحريري لم تتوقف، وقالت انّ موقفنا من هذا الأمر خلاصته انّ الحريري يشكّل ركناً سياسياً اساسياً وعنوان اعتدال، وغيابه عن المسرح الانتخابي، قد تترتب عليه مخاطر، أقلّها خلق خلل في التوازن الداخلي وفراغ قد يستغل من قِبل بعض الجهات والتيارات المتطرفة والمتشدّدة.

عين التينة: الحريري ضرورة

وفي السياق نفسه، تؤشر اجواء مقرّ رئاسة مجلس النواب في عين التينة، الى موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يرى ضرورة في بقاء الحريري على حضوره الفاعل في المسرح السياسي، وبالتالي مشاركته المباشرة بشخصه وتياره في الانتخابات النيابية.

وبحسب هذه الأجواء، فإنّ بري الذي يؤكّد على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المحدّد، ولا يرى ما يوجب عدم إجرائها على الإطلاق، فإنّه استمر في جهود يبذلها مع الحريري، عبر معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، على ما حصل في الساعات القليلة الماضية، لإقناعه بضرورة استمراره، قطعاً للطريق على أي تداعيات يمكن ان تنشأ عن عزوفه عن ترشيح نفسه للانتخابات.

وتخلص أجواء عين التينة الى التأكيد على اهمية وضرورة استمرار الحريري وتياره السياسي في موقعهما التمثيلي، سواء على المستوى السنّي او على المستوى السياسي العام، مذكّرة بما قاله بري قبل أيام قليلة من أنّ "أي انكفاء سواء من الحريري او من تيار "المستقبل" عن المشاركة في الانتخابات قد تكون له تداعيات على خريطة البرلمان المقبل".