تبدأ الحكومة اللبنانية يوم الاثنين المقبل مناقشة موازنة ماليتها العامة لعام 2022 بانخفاض حاد بقيمتها بالدولار الأميركي، حيث تصل قيمتها إلى نحو 2.1 مليار دولار، بعدما كانت نحو 14 مليار دولار في موازنة العام 2020، رغم ارتفاع أرقامها بالليرة اللبنانية على نحو مضاعف عما كانت عليه في السابق.

وبعد عامين على انقطاعها عن إقرار الموازنات بسبب غياب حكومة فاعلة، وزعت رئاسة مجلس الوزراء على الوزراء مسودة مشروع قانون موازنة المالية العامة لعام 2022 الذي أعدته وزارة المال، وتتساوى فيه عائدات الحكومة ووارداتها بـ49 ألف مليار ليرة، وهو رقم تبلغ قيمته الفعلية بالدولار الأميركي ما يقارب الـ2.1 مليار دولار على سعر صرف منصة مصرف لبنان، بعدما كانت في عام 2020 نحو 22 ألف مليار ليرة، وكان الرقم يعادل 14 مليار دولار على سعر الصرف الرسمي في ذلك الوقت.

واللافت في المشروع الجديد، أن الحكومة ألغت في موازنتها أي إنفاق استثماري من شأنه أن يحقق نمواً في الاقتصاد، لكن الموازنة "تتسم بتقشف بالغ"، فيما رفعت الرسوم على خدمات كثيرة، بما ينسجم مع خطتها لرفع إيراداتها وتغطية النفقات المطلوبة، كما منحت وزارة المال صلاحيات واسعة لجهة تحديد سعر "الدولار الجمركي" على الرسوم الجمركية، واحتساب الضريبة على القيمة المضافة على أساس سعر صرف ضريبي تحدده وزارة المالية.

ويرى عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي صادق علوية أن تقديرات الحكومة لهذا الرقم من النفقات لن تكفيها، موضحاً في تصريحات لـ"الشرق الأوسط" أن الحكومة "اعتمدت سعر صرف مفترضاً لعملتها المحلية، لكن يبدو أنه قليل، وقد لا يكفي مصاريف القرطاسية للإدارات العامة".

صلاحيات تشريعية استثنائية لوزير المال

بدورها، ذكرت "الاخبار" بانه في مشروع موازنة 2022، تقدّم وزير المال يوسف خليل خطوات في اتجاه الاستيلاء على صلاحيات تشريعية استثنائية، للحكومة أو لنفسه كوزير للمالية، لمعالجة قضايا ضريبية ونقدية ومصرفية تعود فيها الصلاحية لمجلس النواب بشكل أساسي، أو يفترض البتّ فيها في إطار خطّة الحكومة لتحديد وتوزيع الخسائر وإعادة هيكلة المصارف. وإذا مرّت البنود التي يقترحها خليل في مشروع الموازنة، سيصبح لدينا تداخل في السياسات النقدية والمالية والضريبية، إضافة إلى دمج الصلاحيات التشريعية بالتنفيذية والقضائية. تعديلات جذرية من هذا النوع لا يمكن تضمينها في مشروع الموازنة، ولا يمكن حصرها بيد الجهات نفسها التي تعدّ مسؤولة عن الانهيار.

من أبرز النماذج التي تدلّ على محاولة الاستيلاء هذه، ثلاث مواد وردت في مشروع موازنة 2022 هي: 109 و132 و133. الأولى، تمنح الوزير صلاحيات استثنائية لتعديل قانون ضريبة الدخل وتحديد الشطور. والثانية، تمنح الوزير حقّ فرض أسس للتعاطي مع الودائع الجديدة بالدولار في القطاع المصرفي وكيفية تسديدها من دون أي إشارة إلى الودائع القديمة التي هي محور نزاعات قضائية بالآلاف. والثالثة، تمنح الوزير حقّ تسعير سعر صرف الليرة مقابل الدولار من خلال ما سُمي "الدولار الضريبي".

مخاوف استثمار انتخابي بالموازنة

وبحسب معلومات "الجمهورية" فإنّ التوجه لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي هو لعقد جلسات متتالية مخصصة لدراسة واقرار مشروع الموازنة واحالته الى مجلس النواب، ضمن فترة لا تتجاوز النصف الاول من شهر شباط المقبل. الا اذا نشأ في طريق مجلس الوزراء بعض المطبّات تستدعي تأجيل الإحالة الى وقت آخر.

وقالت مصادر في لجنة المال والموازنة لـ"الجمهورية" ان تعاطي اللجنة مع مشروع الموازنة حينما يحال اليها، سيكون بوتيرة سريعة عبر عقد سلسلة جلسات اسبوعيا، وعلى نحو تنجز فيه اللجنة مهمتها ضمن مهلة بين أربعة الى ستة اسابيع على الأكثر.

وما يجدر لحظه هنا، هو ان مشروع الموازنة ان احيل الى المجلس منتصف شباط المقبل، سيتطلب انجازه في لجنة المال لنفترض 4 اسابيع، يعني في آخر آذار المقبل، وان افترضنا انجازه في ستة اسابيع يعني في منتصف نيسان المقبل، معنى ذلك ان جلسة مناقشة الموازنة واقرارها في مجلس النواب ستعقد على بعد شهر او شهر ونصف من موعد الانتخابات النيابية. واللافت ان هذا الامر قد دفع جهات اقتصادية الى ابداء تخوّفها من أن يلجا بعض المكونات السياسية الى محاولة الاستثمار الانتخابي على هذه الموازنة، وتحويلها الى موازنة انتخابية بدل ان تكون موازنة تحاكي الازمة.