أثبتت كل المعطيات السياسية ان رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري اراد تحقيق وهج شعبي وسياسي لخطوته المرتقبة بالعزوف عن الترشح للانتخابات النيابية. لكن احداً من المسؤولين الخليجيين، لم يلتفت الى تلك الوقائع.

كانت كل مداخلات الحريري في الاجتماعات التي عقدها خلال اليومين الماضيين تصبّ في خانة دفع رؤساء الحكومات ونواب كتلته وتياره السياسي وحلفائه الى التضامن العملي معه بمقاطعة الانتخابات. عندها تغيب الميثاقية عن الاستحقاق، فتفرض الخطوة تأجيلاً للإنتخابات النيابية، وبالتالي حصول تمديد للمجلس لمدة سنة او سنتين. علماً ان الضغوط الدولية والعربية، وآخرها ما جاء في بنود الرسالة التي حملها وزير الخارجية الكويتي معه الى لبنان، تشدد على اجراء الانتخابات النيابية في وقتها، من دون تأخير.

لم يطرح الحريري التمديد للمجلس بشكل مباشر، ولا هو تحدث عن تأجيل الانتخابات، لكنه كان يوحي بوجوب ان يقاطع الآخرون الانتخابات. هو قال صراحة في اجتماع كتلته النيابية: لا انصح احد منكم بالترشح للانتخابات. وهو ايضا قال الكلام عينه في اجتماع رؤساء الحكومات، لكنه سمع رأياً مغايراً، تحديداً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والاسبق فؤاد السنيورة.

واذا كان ميقاتي لا ينوي الترشح شخصياً، بل ترشيح كتلة، فإن السنيورة يسعى لقيادة فريق "المستقبل" وخوض الانتخابات، للفوز بكتلة سنّية وازنة يترأسها شخصياً. لكن الحريري لم يوافق على تغطية هكذا خطوة، لا برئاسة السنيورة ولا النائب بهية الحريري.

لم تكن حسابات بيدر نادي رؤساء الحكومات كحسابات حقل رئيس تيار "المستقبل". لكل منهم حساباته الانتخابية والزعاماتية، خصوصا السنيورة التوّاق لوراثة زعامة الحريرية السياسية في الطائفة السنّية. واللافت ان نائباً واحداً وازناً من نواب المستقبل لم يخرج لاعلان تضامنه الفعلي مع زعيم تياره السياسي، بينما اعلن نائب زحلة المسيحي الارثوذكسي سيزار معلوف عن تضامنه مع الحريري بالعزوف عن الترشح للإنتخابات النيابية. فهل تكرّ المواقف المشابهة بعد اعلان الحريري موقفه؟.

تتحدث المعلومات عن رغبة حريرية بحصول مقاطعة شعبية للانتخابات، لكن الامر ليس بيده، فهو لا يقدر على مجابهة العواصم الغربية والعربية التي تطالب بإجرائها في وقتها. خصوصا ان هناك قوى كانت تطالب بإجراء الانتخابات قبل موعدها، يوم تم طرح الاستقالات النيابية منذ اشهر لاجراء انتخابات مبكرة.

بإنتظار موقف الحريري، يبدو ان السنيورة ينتظر مباركة السعودية كي يتولى بنفسه قيادة السنّية السياسية بعدما اثبت صلابة سابقة في مواجهة "حزب الله" والتيار "الوطني الحر". وهو ما يساهم في تسويق مشروع دعم السنيورة عربيا، خصوصا ان دول الخليج تسوّق لمبادرة تسعى فيها لإرباك "حزب الله" وحلفائه تحت عنوان اعادة طرح ملف سلاح الحزب وتدخله في المنطقة.

ولذلك، يبدو ان البلد سيكرر تجارب اعوام ٢٠٠٦ و٢٠٠٧، و٢٠١١ و٢٠١٢، من حيث طبيعة الازمات السياسية والشروط العربية والغربية.

وعليه، فإن الافق السياسي لا يبشر بتفاهمات محتملة على مشارف الانتخابات النيابية. وفي حال باركت السعودية خطوة السنيورة فإنها ستدفع رئيس حزب "القوات" سمير جعجع الى تأسيس تحالف انتخابي يجمعه مع السنيورة الذي سيقود الجبهة السياسية السنية.

بإنتظار كلام الحريري، ستُرصد حركة السنيورة، وموقف دار الفتوى، اللذان يتأثران بالهوى السعودي.