من دون سابق إنذار، حطّ وزير الخارجية الكويتي وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح خلال عطلة نهاية الأسبوع في بيروت، وتنقّل بين "مراكز القرار"، إن جاز التعبير، حاملًا بين يديه ما وُصِفت بـ"ورقة أفكار ومقترحات"، تتوخّى إعادة العلاقات اللبنانية الخليجية إلى سابق عهدها، انطلاقًا من استعادة "الثقة المفقودة".

لم "يفصح" الوزير الكويتي رسميًا عن "فحوى" الأفكار والمقترحات التي نقلها إلى المسؤولين اللبنانيين، بل اكتفى بتكرار بعض "الثوابت" المتوافَق عليها، نافيًا أيّ نيّة لدول مجلس التعاون للتدخل في شؤون لبنان الداخلية، ورافضًا في المقابل أن يتحوّل لبنان إلى "منصّة" لما وصفه بأيّ "عدوان لفظي أو فعلي" على دول مجلس التعاون الخليجي.

ترك المسؤول الكويتي، وهو أرفع قيادي خليجي يزور لبنان منذ "تأزّم" العلاقات على خلفية تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، الأمر لقادة لبنان للكشف عن مضمون "المبادرة"، إن أرادوا، لكنّ ما سُرّب منها في الساعات الأخيرة، كشف عن بعض "الألغام" التي تنطوي عليها، خصوصًا لجهة "استحضار" القرار 1559.

فكيف تُقرَأ زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان، وما انطوت عليه من إيجابية تبقى "مع وقف التنفيذ" حتى إشعار آخر؟ وهل يمكن القول إنّ صفحة التباين والخلاف بين لبنان ودول مجلس التعاون "طويت" مع هذه الزيارة، التي لا بدّ أنّها كانت "منسّقة" مع دول الخليج، أم أنّ "الإشكالية" قد "تتعمّق" أكثر وأكثر؟.

من هذا "التنسيق" المفترض، وشبه الحتميّ، يمكن "استبطان" أهمية زيارة وزير الخارجية الكويتي، التي ما كانت لتتمّ، وخصوصًا على هذا المستوى، لو لم تحصل مسبقًا على "ضوء أخضر"، بل "مباركة" من جانب المملكة العربية السعودية، حتى إنّ عددًا من المطّلعين على الملف جزموا أنّ الأفكار التي نقلها الوزير الكويتي إلى المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم هي في الأساس "مقترحات سعودية" تعكس "إجماعًا" خليجيًا قلّ نظيره.

بهذا المعنى، يمكن مقاربة الزيارة على أنّها تشكّل "بادرة إيجابية" من جانب دول مجلس التعاون مجتمعةً إزاء لبنان، بعيدًا عن "التوتر" الذي ساد العلاقات في الأشهر القليلة الماضية، والذي لم تنجح استقالة الوزير قرداحي ولا مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رغم الهدنة التي كرّستها، في الحدّ منه، في ظلّ الحديث المتواتر الذي لم يتوقّف يومًا عن مزيد من الخطوات "التصعيدية" التي قد تبصر النور تدريجيًا في القادم من الأيام.

انطلاقًا من ذلك، يرى كثيرون أنّ مجرّد فكرة أنّ المبادرة جاءت هذه المرّة "خليجية خليجية"، من دون المرور عبر "وسطاء" من خارج "فلك" دول مجلس التعاون، لأمرٌ كافٍ بحدّ ذاته، للدلالة على "تحوّل جذري" في المقاربة الخليجية للأزمة مع لبنان، ولو أنّه تحوّل اقترن بالحديث عن "شروط" قد لا يكون الهدف الفعليّ منها "التعجيز"، وفق ما قرأ المتابعون، بقدر ما هو إيجاد "المَخرَج" الملائم لـ"ترتيب" العلاقات من جديد.

وثمّة من "ربط" بين هذه المبادرة، بمصدرها "الخليجي"، وتطورات الإقليم، التي يبدو أنّها تميل نحو تغليب "التوافق" على "الصدام"، خصوصًا أنّ "التوقيت" جاء في وقت تحرز مفاوضات الاتفاق النووي في فيينا تقدّمًا، بحسب ما يؤكد اللاعبون المعنيّون، كما تتقدّم بموازاته مناخات "الحوار" بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية في إيران، بحسب ما ينقل المطّلعون على المحادثات المستمرّة بين الجانبين منذ أشهر، بوتيرة "متقطّعة".

مع أنّ وزير الخارجية الكويتي رفض الكشف عن "مضمون" المبادرة وما تضمّنته من أفكار، فإنّ التسريبات التي لم تتأخّر أوحت بوجود بعض "الألغام" التي قد تطيح بكل "الإيجابيات" حتى أنّ البعض حكم عليها بأنّها "ماتت قبل أن تولد" في ظلّ بعض الشروط التي وُصِفت بـ"التعجيزية"، وعلى رأسها استحضار القرار 1559 مع ما ينطوي عليه من مادة إشكاليّة وخلافيّة جذرية وتاريخية في لبنان.

رغم ذلك، لوحظ أنّ "الإيجابية" حضرت على خطّ "الأصداء" الأولية للزيارة، فرئيس الجمهورية ميشال عون كان "إيجابيًا" في مقاربته، كما بدا في البيان الذي صدر عن مكتب الإعلام في الرئاسة، والذي نقل عن الرئيس "ترحيبه" بأيّ تحرّك عربي من شأنه حلّ الأزمة بين لبنان ودول الخليج، وتأكيده في الوقت نفسه، على أن الأفكار المطروحة "قيد التشاور"، وهو ما أكّدت أوساطه أنّه لا ينطوي على أيّ نظرة "سلبية"، بل تأكيد على ضرورة "الحوار" مع المعنيّين قبل إعلان أي موقف رسمي.

ومثله بدا رئيس الحكومة "إيجابيًا"، علمًا أنّ أوساطه لم تتردّد في "التبشير" بانتهاء ذيول الأزمة مع الخليج، خصوصًا أنّ لبنان قام بما عليه، وقدّم كلّ "الضمانات" المطلوبة، مشيرة إلى أنّ ما "يبشّر بالخير" أنّ معظم الأفكار التي يطرحها القادة الخليجيون واردة أساسًا في البيان الوزاري للحكومة، ما يعني أنّها غير "تعجيزية" بالمُطلَق، بل تتطلّب من جميع الفرقاء التأكيد على ما سبق وتعهّدوا به، وهو أمر لا ينبغي أن يكون بعيد المنال.

ومع أنّ هذه الأوساط تشدّد على أنّ العبرة تبقى في الخواتيم، وتدعو لتقصّي موقف "حزب الله"، الذي قد يكون عليه أداء دور جوهري في تلقّف الإيجابية، ولو لم يُطلَب منه ذلك بالمباشر، من خلال الكفّ عن "استفزاز" دول مجلس التعاون والإساءة إليها، والالتزام بالحدّ الأدنى بمبدأ "النأي بالنفس" الذي صدّق عليه مع تشكيل الحكومة، فإنّ تبدو أكثر من "متفائلة" بأنّ الأمور "سلكت طريقها"، و"الخير لقدّام".

في النتيجة، قد تبعث التطورات الأخيرة "المتزامنة"، عن عمد على الأرجح، على التفاؤل، بدءًا من عودة الحكومة إلى "نشاطها"، مرورًا بإحياء المفاوضات مع صندوق النقد، وصولاً إلى إنعاش العلاقات مع الخليج، رغم كلّ المعوقات، لكن الأهم من هذا وذاك، يبقى توافر الإرادة لدى المسؤولين بتوظيف كلّ ما سبق لخدمة المواطن أولاً وأخيرًا، وهو الذي يشعر أنّ العبء عليه يكبر أكثر فأكثر يومًا بعد آخر، رغم كلّ شيء...