بعيداً عن الأسباب التي قدمها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حول قرار عزوفه عن المشاركة في الإنتخابات النيابية، ما ينبغي التوقف عنده هو التداعيات التي قد تترتب على ذلك، لا سيما بالنسبة إلى ما يُطرح حول ميثاقية هذا الإستحقاق في حال كانت المقاطعة شاملة لمختلف القيادات الأساسية في الطائفة السنية، خصوصاً أن هذا الأمر من الممكن أن ينتقل إلى العديد من القوى الأخرى، التي تتوجس من قرار الحريري.

في هذا السياق، من الضروري الإشارة إلى حالة الإرباك التي يمر بها كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي"، الأمر الذي يشمل أيضاً "حزب الله"، الذي يفضل إدارة الحريري لعملية ربط النزاع معه، وهو ما دفعه إلى أن يكون، في السنوات الماضية، من أبرز المتمسكين في عودته إلى رئاسة الحكومة في أكثر من مناسبة، كما يشمل حزب "القوات اللبنانية"، الذي يعتبر متضرراً من هكذا قرار، خصوصاً أنه يدرك جيداً أن أي قرار بالمواجهة، كما يطالب، لا يمكن أن يكتب له النجاح من دون القاعدة السنية.

وفي حين لا يزال الكثيرون يركزون على التداعيات المفترضة على الإستحقاق الإنتخابي، تشير مصادر سياسية متابعة، عبر "النشرة"، إلى أنها قد تكون أبعد من ذلك، نظراً إلى أن قرار الحريري يأتي في لحظة مصيرية على مستوى لبنان والمنطقة، توضع فيها مختلف الملفات على طاولة البحث، وبالتالي قد تكون المقدمة المنطقيّة نحو الدعوة إلى حوار يشمل مختلف النقاط الخلافية اللبنانية، التي لا يمكن معالجتها من دون طرح الصيغة الجديدة التي يجب أن يُبنى عليها النظام الجديد.

في هذا الإطار، تلفت المصادر نفسها إلى أن الصيغة التي قام عليها إتفاق الطائف كانت قد تعرضت، في السنوات الماضية، إلى مجموعة من الضربات القاسية، تبدأ من إنفراط النظام الإقليمي الراعي له في العام 2005، بعد اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان على وقع خلافات كبيرة بين أركان هذا النظام، بينما الركيزة الإقتصادية التي قام عليها كانت قد تعرضت إلى الإنهيار، بعد التطورات التي أفرزتها تداعيات الانتفاضة الشعبيّة التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019.

من وجهة نظر هذه المصادر، قرار الحريري يعني، على مستوى التداعيات التي ستنجم عنه، إهتزاز الركيزة السياسية لهذا الإتفاق، على إعتبار أنه يمثل أحد أركان منظومة الطائف الأساسيين، إلى جانب كل من رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الأمر الذي يفسر الجهود التي يقوم بها الجانبان لدفع رئيس الحكومة السابق إلى التراجع عن موقفه.

على هذا الصعيد، ينبغي التوقف عند مجموعة من النقاط، التي من الممكن أن تساعد في فهم المسار الذي قد تسلكه الأزمة المستجدة، حيث البداية من فشل الدعوة إلى الحوار حول النقاط الخلافية الأساسية، الّذي كان يحضر له رئيس الجمهورية ميشال عون، لكن ما يستحق التوقف عنده أكثر هو أن الحريري نفسه كان قد أشار، في الإتصال الذي أبلغ عون فيه عدم مشاركته، ان "أي حوار على هذا المستوى يجب أن يحصل بعد الانتخابات النّيابية"، أي الإستحقاق الذي أعلن عدم مشاركته فيه.

بالتزامن لا ينبغي تجاهل حديث أحد أعضاء كتلة "المستقبل" النائب وليد البعريني، قبل إعلان الحريري عن قراره، أن هذا القرار يمهد الطريق نحو الإستقلال الثالث، الأمر الذي لا يمكن أن يفصل عن معطيات أخرى تصب في الإتجاه نفسه، أبرزها الإعلان عن "المجلس الوطني لرفع الإحتلال الإيراني"، بالإضافة إلى الرسالة الخليجية التي كان قد نقلها وزير الخارجية الكويتية الشيخ احمد ناصر المحمد الصباح إلى بيروت في عطلة نهاية الاسبوع.

في قراءة المصادر السياسية المتابعة، المشترك، بين هذه التطورات وقرار الحريري، هو ولادة قناعة بأن الإستحقاق الإنتخابي ليس هو الذي يقود إلى التغيير، بل ان المطلوب أبعد من ذلك، وفي حين لا يمكن الحديث عن مواجهة عسكرية تقود إلى ذلك بسبب إنعدام موازين القوى، يصبح من المنطقي القول إن المرجح هو الذهاب إلى حوار، لا يشبه الحوارات التي كان لبنان قد عرفها في السنوات الماضية.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر نفسها إلى مجموعة من المؤشرات التي تصب في الإتجاه نفسه، تبدأ من المواقف التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أطلقها، في زيارته الأولى التي جاءت بعد الانفجار في مرفأ بيروت، وتشمل كلام وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، في مرحلة أزمة تصريحات وزير الاعلام السابق جورج قرداحي، عن أن المشكلة في لبنان تكمن في هيمنة "حزب الله" على النظام السياسي.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ المؤشرات تشمل أيضاً كلام رئيس الجمهورية، خلال استقباله وفداً من نقابة المحررين، عن أن "السلطة الحالية توافقية بثلاثة رؤوس، وبالتالي من الصعب أن تحكم... لذلك، نأمل بعد هذه الأحداث تغيير الوضع، فأنا اعتبره نهاية حقبة معينة وباتت تحتاج إلى تغيير". بالإضافة إلى حديث رئيس "الاشتراكي"، خلال لقاء خاص مع جريدة "الأنباء" الإلكترونية، عن أن المطلوب "نظام سياسي جديد يخرج من نظام إنتخابي جديد، لأن النظام الحالي هو محاصصة بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي، وأكبر الخاسرين فيه كان الحريري".

في المحصّلة، أي تداعيات لقرار الحريري على الاستحقاق الانتخابي، قد تفتح باب الحوار حول النظام الجديد، الأمر الذي قد يفسّر الصراعات الدستوريّة المتكرّرة، في الآونة الماضية، حول الصلاحيات، من دون تجاهل أن ذلك من المفترض أن يؤثر على العديد من الإستحقاقات الأخرى، خصوصاً الإنتخابات الرئاسيّة المقبلة.