ليس هناك من لا يعرف السؤال الشهير عمّن يسبق في الظهور: البيضة ام الدجاجة؟ وهو سؤال يطرح حين تتعقد الامور ولارباك الشخص المعني، لان الاجابة عليه معقدة وقابلة للجدل بطريقة منطقية. هذا السؤال يحضر اليوم في الاجابة اللبنانية المتوقعة غداً، على الورقة الكويتية التي حملها معه وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح الى بيروت، والتي كسرت الى حدّ ما جليد العلاقات بين عدد من دول الخليج (ومنها الكويت) ولبنان. الاجابة منطقية بالطبع، لان المطالب التي تتضمنها الورقة غير منطقيّة، واهمها مسألة سلاح حزب الله، وهو البند الذي عجزت عن تطبيقه قرارات دولية صدرت، وحروب اسرائيلية شنّت، وعقوبات اقتصادية ومالية نفّذت، ومن الواضح ان لبنان غير قادر (ومن غير المسموح له بعد) ان يعاني من حرب اهليّة غير مضمونة النتائج من اجل محاولة نزع هذا السلاح تحديداً. وبالتالي، ان البند الوحيد الذي يعيق عملياً مطالب الورقة، هو هذا الامر، ومن المؤكد ان الدول المعنية وضعته من باب رفع العتب. فمن الذي يصدق انه، (وفق ما قاله الوزير الكويتي من ان هذه الورقة موضوعة من قبل دول غربية وخليجية وعربية) لا يدرك واضعو الورقة استحالة تنفيذ هذا البند لبنانياً، وهم انفسهم الذين سمحوا على مدى عقود من الزمن بتنامي سيطرة الحزب ونفوذه حتى بات قوة اقليمية اثر تدخله في سوريا وفي غيرها من الدول... فكيف يريدون التوفيق بين استقرار وسيادة لبنان ومنعه من التقسم والشرذمة والفلتان، والطلب الى اللبنانيين حلّ مشكلة حزب الله؟ هل يعتبرون ان الامر مزحة؟ بالطبع لا، ولكنهم يعرفون ما يطلبون، وكل مبتغاهم هو اعادة حزب الله الى معقله اللبناني وسحبه عن طاولة اللاعبين الاقليميين، وهذا امر تملكه الدول نفسها من خلال التفاوض مع ايران، لانه ليس خافياً على احد ان مصدر الغذاء الاساسي للحزب هو ايران، وهو ما يقوله قادة الحزب ليل نهار ولا يحاولون التستر عليه، بعد ان كانوا يستفيدون من سوريا ايضاً، الا ان القرار السوري بات في الجعبة الروسية، واصبح اكثر تعقيداً بعض الشيء.

ما يمكن ان يحمله معه وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب من جواب، سيكون بطريقة غير مباشرة السؤال الشهير: من سبق من؟ الدجاجة ام البيضة؟ بمعنى آخر، سيكون السؤال عن الحلول التي يمكن ان تقدّمها الدول واضعة الورقة حول مسألة حزب الله، وان جلّ ما يمكن للبنان ان يقوم به في هذا المجال هو بحث الاستراتيجية الدفاعية التي لن تشكل حلاً بطبيعة الحال، ما لم يتم الاتفاق دولياً على اعادة ترتيب الوضع في الشرق الاوسط ككل. ومن السذاجة بمكان الاعتقاد بأن المطالب حقيقيّة والردّ عليها سيكون حقيقياً ايضاً وحاسماً لاتخاذ الدول موقفاً نهائياً، فالدول لم تتغير وقياداتها المؤثرة فعلياً لم تتغير بعد باستثناء اميركا التي اصبحت اكثر "ليونة" مع وصول جو بايدن الى سدة الرئاسة. وهذا ان دل على شيء، فعلى ان العناصر هي نفسها والسياسة المتبعة لا تزال على حالها وهي التي ادت الى وصول حزب الله الى ما هو عليه اليوم، ويقع عليها التعامل مع الموضوع وليس على اللبنانيين، الذين لا يملكون القدرة ولا الموارد ولا القرار اللازم ليتعاملوا مع الامر.

لم ولا ينتظر الخارج حتماً جواباً لبنانياً شافياً على المطالب التي تتضمنها الورقة الكويتية، وكل ما في الامر هو اجراءات شكلية في انتظار ما ستحمله التطورات في فيينا من جهة، وعلى خط ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل من جهة ثانية، ونتائج الانتخابات النيابية (التي لا يتوقع ان تحمل مفاجآت مدوية)، وعدا عن ذلك، فكل المطالب وكل الاجوبة عليها هي من باب الواجبات والشكليات فقط.