ليس من حاجة الى التذكير بما حصل في 15 شباط من العام 2005، حين كان تشييع رئيس الوزراء المغتال رفيق الحريري في اوجه، وحين كان يهتف الجميع باسم بهاء لخلافته، فجأة تحوّل الهتاف باسم سعد بشكل غريب. في هذا اليوم، خرج بهاء الحريري من الحياة السياسية اللبنانية برغبة سعودية، ودخل اليها سعد بمؤازرة اقليمية ودولية، فعمل الفرقاء المحليين الى الترحيب به، كل على طريقته، وسرعان ما تم ادخاله في الحلقة السياسية مع كل ما تحمله من سيئات للناس وحسنات للزعماء. تأخر سعد قليلاً للدخول في الاجواء، وهو لا يلام على ذلك لانه لم يكن لديه الخبرة الكافية، الا انه تم تعويض ذلك بدروس سريعة في طرق التعامل مع الاوضاع والظروف على اختلافها ووضع الحدود والسقف بين هذا وذاك... فوصل الى زعامة الطائفة السنّية في لبنان بوقت قياسي وبتأييد خارجي قلّ نظيره.

اخطأ سعد في الكثير من حساباته السياسية، ولكن سرعان ما كان يتم التعويض عنها بتدخل اقليمي عبر اطراف محلية، وكانت الطريقة اللبنانية مناسبة لذلك لجهة نسيان الماضي والتعامل مع الحاضر والمستقبل، من دون محاسبة، وهي "نعمة" يستفيد منها كل المتعاطين في الشأن العام والسياسي. طوال هذه الفترة، كان بهاء خارج الاضواء، يهتم بأعماله ويبتعد شيئاً فشيئاً عن حياة العائلة التي كان واضحاً تفضيلها سعد عليه، من دون ان يعني ذلك عدم وجود نار تحت الرماد. ولا يحتاج الامر الى الكثير من البحث لمعرفة ان الخلافات بين سعد واخيه وصلت الى ذروتها منذ سنوات قليلة، وبدأ اسم بهاء يتردد في الحياة السياسية بعد احتجاز سعد في الرياض واعلانه استقالة حكومته من هناك. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفن بهاء في تلك الفترة، فعاد خطوة الى الوراء بانتظار فرصة اخرى، كان متيقناً انها ستكون سانحة من دون ان يعلم توقيتها، وانها ستفتح الابواب مع انطلاق "الثورة" في 17 تشرين الاول من العام 2019.

اليوم، ما كان يتم العمل له فيالسر، بات يقال في العلن، خصوصاً وان سعد القى اسلحته السياسية وباتت الامارات ملاذه بدلاً من السعودية التي تخلّت عنه، لتفتح بابها امام بهاء. والمفارقة هنا ان الاخير يعود الى الحياة السياسية اللبنانية من البوابة السعوديّة، وهي الجهة نفسها التي أقصته عن الشؤون السياسية في العام 2005. وبذلك، يبدو ان 17 سنة هي الفترة التي احتاجها للعودة ولعب دور على الساحة اللبنانية، والاستفادة من كل الظروف التي وجدها سعد مضرّة به على الصعد السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية والشعبية، فيما يعتبرها بهاء فرصاً سانحة تضعه في مقعد السائق للمرة الاولى منذ نحو عقدين من الزمن، مع الاخذ في الاعتبار وجهة نظر لا يمكن الاستهانة بها، والقاضية بأنه يقوم بعمله لابقاء بيت وحلم رفيق الحريري حياً. هذه النقطة هي محوريّة وركيزة لا يمكن التخلّي عنها في مسيرة العودة، فهي ترضي السنّة في لبنان الذين استاؤوا من اعتماد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ممثلاً للرياض (كما كنا ذكرنا في مقال سابق (بتاريخ 5 تشرين الثاني 2021)، اذ ان بهاء هو ابن الحريري من جهّة ويحق له اكمال مسيرته من جهة، كما ان التعاطي السعودي يعود من خلال شخصية سنّية، وليس من طائفة اخرى. وعلى خط آخر، يستفيد بهاء من ميزة وهي انه يهدف الى التغيير، ولم تتم تجربته في السياسة من قبل، وهو خارج المنظومة العامة كلها، ما يعني انه قادر على اللعب على مشاعر الناس الذين ينادون بالتغيير والخروج عن المألوف. اما الحافز الثاني الذي لا يقل اهمية، فهو قدرته على تأمين الاموال، على عكس سعد حالياً، وفي ظرف للاموال مكانتها واهميتها في حياة الناس هذه الآونة...

وتبقى العقبة الرئيسية امام بهاء التي يجب عليه التعامل معها وهي الاطراف اللبنانية التي لن تتقبّل وصوله بقوة وزخم، وهذا امر يجب على السعودية التحرك بدلوماسية مع الجهات الاخرى في الخارج لتذليله، والا فسيكون من الصعب وضعه على طاولة اللاعبين اللبنانيين الرئيسيين، وسيعاني عندها من تحركات لم يعهدها اذا ما أُطلقت ايدي الزعماء والمسؤولين اللبنانيين، وعندها قد يجد نفسه خارج اللعبة من جديد.