تندرج زيارة أَمين سر دَوْلة الفاتيكان للعلاقات مع الدُّول، المطران بول ريتشارد غالاغير لُبنان، الّتي بدَأَت الاثنَين، وهي تستمرّ لغاية الرّابع مِن شُباط الجاري، وتشمُل لقاءاتٍ مع السُّلطات السّياسيّة والدّينية... في إِطار الاهتمام الخاصّ الّذي يوليه قداسة البابا فرنسيس للبنان.

بَيْد أَنّ الاهتمام البابويّ لا يُترجَم فقط في الصّلاة مِن أَجل خلاص وطن الرّسالة، بل أَيضًا مِن خلال سعي الكُرسيّ الرّسوليّ إِلى العمل الدّؤوب على نشر السّلام في منطقة الشّرق الأَوسط برُمّتها... لا بل في العالم أَجمع، انطلاقًا مِن المسيحيّة المُعْلِنة: "طوبى لفاعِلي السّلام، فإِنّهُم أَبناء الله يُدعَون".

ففي العاشر مِن كانون الثّاني الماضي، عندما التقى قداسته السّلك الدّيبلوماسيّ المُعتَمَد لدى الكُرسيّ الرّسوليّ، جدّد صلاته مِن أَجل "الشّعب اللُبنانيّ العزيز، الواقع في أَزمةٍ اقتصاديّةٍ وسياسيّةٍ، وهو يسعى جاهدًا إِلى إِيجاد حلٍّ لها". وقال قداسته يَوْمها: "أُريد اليَوْم أَن أُجدّد تأكيد قُربي مِنه (لُبنان) وصلاتي مِن أَجله، وأَتمنّى أَن تُساعد الإِصلاحات اللازمة، ودعم المُجتمع الدّوليّ، في أَن يبقى هذا البلد ثابتًا في هُويّته، ونموذجًا للعيش السّلميّ معًا، والأُخوّة بَيْن مُختلف الأَديان فيه".

فهُويّة لبنان وثباتها، وبقائه "نموذجًا للعَيْش السّلميّ"، هي القيم الإِنسانيّة الّتي يسعى قداسته إِلى ترسيخها، على ما شدّد في موقفه الواضحة والصّريحة في أَكثر مِن مُناسبةٍ...

وفي الخامس والعشرين مِن تشرين الثّاني الماضي، أَكّد البابا فرنسيس خلال استقباله رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في الفاتيكان، أَنّ لُبنان هو "رسالةٌ، وهو أَيضًا وعدٌ علَيْنا أَن نُناضِل مِن أَجله". وقد صلّى: "ليأْخُذ الربُّ لُبنان في يده قائلًا له: (قُم وانهض)".

فاليأس والإِيمان على نقيضٍ، فيما وصل لُبنان إِلى مرحلةٍ لا يُؤمَل فيها بالبشر، بل بالخلاص الإِلهي!، ووحده مَن أَحيا إِليعازر مِن المَوْت... يُحيي لُبنان مِنه!. وأَمّا الكنيسة الكثوليكيّة، فهي الأَداة الطيّعة العاملة بوحي إِلهامات الرّوح، تماشيًا مع نشيد القدّيس فرنسيس الأَسّيزي القائِل: "... يا ربّ استعملني لسلامك... فأَضع الحُبّ حيث البُغض... والمَغفرة حيث الإِساءة... والاتّفاق حيث الخلاف... والرّجاء حيث اليأس"... غير أَنّ ذلك كلُّه لا يتناقض مع قول الحقيقة ورفع الصّوت في وجه تُجّار الهيكل وتُجّار الوطن... ولذا يُفهَم قول البابا فرنسيس، في رسالةٍ وجّهها إِلى اللُبنانيّين، عشيّة ميلاد 2020، عبر البطريرك المارونيّ مار بشارة بُطرس الرّاعي. وقد نصّت الرّسالة البابويّة على أَنّ "... ما يُؤلم أَكثر، هو تيقُّن اختطاف كُلّ الآمال الغالية بالعيش في سلامٍ، وفي البقاء، للتّاريخ وللعالم، رسالة حُريّةٍ وشهادةً للعيش الجيّد معًا... وأَشعر اليَوْم، في عُمق نفسي، بهَوْل خساراتكم، وبخاصّةٍ عندما أُفكّر بالكثير مِن الشّباب الّذين انتُزع منهم كُلُّ رجاءٍ بمستقبلٍ أَفضل"... وقد توجّه قداسته إِلى اللُبنانيّين: "مثل الأَرز، استَقوا مِن أَعماق جُذور عيشكم المُشترك، لكي تصيروا مُجدّدًا شعبًا مُتضامنًا؛ ومِثل الأَرز، الّذي لا تقهره العواصف، هلا استطعتم الاستفادة من تقلُّبات الظُّروف الرّاهنة لإِعادة اكتشاف هُويّتكم، هُويّة الّذين يحملون إِلى العالم بأَسره شذا الاحترام، والعيش معًا والتّعدُّديّة. إِنّها هُويّة شعبٍ لا يترك بيوته وميراثه؛ إِنّها هُويّة شعبٍ لا يتنازل عن حُلم الّذين آمنوا بمستقبل بلدٍ جميلٍ ومُزدهرٍ"... وقي الرّسالة إِيّاها ناشد البابا "الزُّعماء السّياسيّين والقادة الرُّوحيّين، مُستعيرًا هذا المقطع مِن إِحدى الرّسائل الرّاعويّة للبطريرك الياس الحويّك: أَنتُم أَيُّها المُسلطون (...)، أَنتُم يا قُضاة الأَرض، أَنتُم يا نُوّاب الشّعب، الّذين تعيشون نيابةً عن الشّعب، (...)، أَنتُم مُلزمون، بصفتكم الرّسميّة ووَفقًا لمسؤُوليّاتكم، أَن تسعَوا وراء المصلحة العامّة. وقتُكم ليس مُكرّسًا لمصالحكم، وشغلُكم ليس لكُم، بل للدّولة والوطن الّذي تُمثّلونه".

وفي الختام يتوجّه قداسته إِلى إِلى المُجتمع الدّوليّ بالقَول: "فلنُساعِد لُبنان على البقاء خارج الصّراعات والتّوتُّرات الإِقليميّة. فلنُساعده على الخُروج مِن الأَزمة الحادّة وعلى التّعافي"... وهذا ما يعمل له قداسته... ولكن على اللُبنانيّين "أَلا يفقدوا الرّجاء".