لمن يريد أنْ يسمع؛ رسالتي هذه الى قداسة البابا فرنسيس، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، المطارنة، رؤساء الرهبانيات، إنني أطرح في مضمونها أبرز القضايا والإشكاليات التي تمُّرْ على المسيحيّن في لبنان والمشرق ومنها: عوامل البقاء والهجرة والتهجير ومصادرة أراضيهم وحتى السيطرة عليها بقوة لم تستطع البطريركية المارونية لغاية اليوم بشخص البطريرك ومطران أبرشية كسروان ووكيل المطرانية من تنفيذ أيْ حكم من الأحكام التي صدرتْ بحق المعتدين، وكأنّ الأمر في غاية الإستخفاف بالتعدّي على أملاكهم عمومًا والموارنة خصوصًا في محافظة جبل لبنان (قضاءي جبيل وكسروان).

رسالتي هذه في إطار النهج الذي أعتمده في دفاعي عن المسيحيين وفي رصد التحولات والتحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها المجتمع المسيحي عامةً والماروني خصوصًا، وإندلاع الصراع على النظام الذي أرسته المارونية السياسية، والتي دمّرتها سياسات الإرتهان والكذب والرياء نتيجة إخفاق عمليات الإصلاح والإنتقال الديمقراطي. وهنا لا حاجة للإشارة إلى نتيجة إنتخابات العام 2018، والتي كُنّا بواسطة أحد ممثلينا في لبنان قد أطلعنا غبطة البطريرك على مضمون هذا القانون الذي سيُرسي النتيجة الحالية، وكُنا طلبنا منه الأخذ بالملاحظات التي فصّلناها في حينه، وكعادته وككل مرة يتلوّن ويتبّدلْ ويُساير ويُساوم والملفت أنه وعدنا بالإستفسار عن الموضوع، وكان إستفساره أنْ أتت عظة الأحد تحمل عنوانًا كبيرًا ومن أمام مذبح الرب "نهنّئ شعبنا أصبح لنا قانون إنتخاب جديد".

رسالتي هذه تستند إلى مراصد الحركة الديموغرافيّة في لبنان وتفيد أن لبنان يُفرّغْ من المسيحيين في حال إستمرار الإتجاهات التي حكمتْ عملية تهجيرهم أو إرغامهم على الهجرة من لبنان الّذي لا يعرفون سواه وطنًا لهم... بحثًا عن ملاذات آمنة ولن يبقى منهم في لبنان وفق مشهد إستمرار الإتجاهات سوى قلّة وأغلبيتهم من الكهول الذين لا يُستقبلون في بلاد العالم لأنهم باتوا من الطبقة اللامنتجة... وبالأرقام وفي حال بقيتْ الأمور على ما هي عليه من سوء إدارة دينيّة وسياسية، يُتوّقع أنْ يُفرّغ لبنان من المسيحيين مع إستمرار الإتجاهات السياسية التي تحكُمْ وتُخطِّطْ لتهجيرهم...

رسالتي هذه ترفض التستّرْ على وضع "المسيحيين كأهل ذمّة" وهو يتعارض جوهريًا مع أي نظام ديمقراطي حديث تقول دساتيره بـ"حقوق المواطنين" و"المساواة" بينهم... إنّ كل ما يُحكى عن نظام يحمي الأقليات أو "الزعيم القوي" ما هو إلاّ هراء وكذب ونفاق وتهرُّب من المسؤولية، وهذه المقولة تؤّدي إلى إضعاف المنظومة المسيحيّة وإلى تداعيات خطيرة على الوجود المسيحي.

رسالتي هذه توضح الطابع الزبائني للبعض ممّن هم في السلطة الروحيّة القائمة، ذلك أنها تتغاضى عن إمكانيّة البحث عن حلول أو مشاركة في العملية السياسية الحقيقية للمكوّن المسيحي، وحين تُسأل عن موقفها من تشكيل الحكومة يكون جوابها "نحن لا نتدخل"، بينما كل الأفرقاء السياسيين يتدخّلون في تشكيل الحكومة إلاّ المرجع المعني مباشرة، وهذا دليل فشل وعلى عدم إتّخاذ زمام المبادرة والضرب بيد من حديد للمشاركة في التشكيلة الحكومية من خلال فرض أشخاص مشهود لهم بالنزاهة والصدق والوطنية، هذا على صعيد تشكيل الحكومات أما على صعيد الإستحقاق الإنتخابي المرتقب، من الملاحظ أنّ البطريركية تكتفي بإثارة الموضوع بتضمينه في عظة الأحد فقط.

رسالتي هذه تدق ناقوس الخطر على الوجود المسيحي في لبنان وفي الشرق الأوسط، لا بل هو في طور الزوال، وليس في الأمر مبالغة يا قداسة الحبر ويا جانب الزائر الكريم ويا سيّد الصرح... المسيحيّة إنْ بقيتم على ما أنتم عليه ينتهي المسيحيّون وهذا يعني أنكم شهود زور على تراث ممتّد منذ ألفي سنة ونيِّف، يعني إنتهاء هويّة برزت عملاقة وتشكّلت في الشرق وتخلّيكم عن المواجهة ساهم في زوالها...

رسالتي هذه تتذكر سنوات النضال بدءًا من الأعوام 1958 إلى بداية الحرب على المسيحيين في العام 1975 والمسؤولية تقع مباشرة على قادتهم الذين قرأو الأحداث بطريقة خاطئة، فإضطر حفنة من الأبطال المسيحيين الوقوف في وجه المؤامرة في حين سكت قلب المسيحيين النابض وهو الفاتيكان وإكتفى بالصلاة.

رسالتي تستذكر حروب المسيحيين المدمّرة وفي تلك المرحلة الصعبة وقف بطريرك يُحنى له الجبين يُطالب بوقف الإقتتال الداخلي الداخلي مهدِّدًا بالحرم الكنسي، وطالب بتحرير لبنان من الإحتلالات القائمة بعد أنْ خُدِعَ بوعود سابقة.

رسالتي هذه تؤشر إلى أنّ الوجود المسيحي في لبنان يواجه تحدٍّ وجودي والواقع المؤلم يدفع إلى التساؤل، هل هناك أمل من زيارة أي موفد؟ هل الفاتيكان يستدرك خطورة الوضع في لبنان؟ هل الفاتيكان يعتبر أنّ دور البطريركية فاعل أو هامشي على صعيد معالجة الوضع في لبنان؟ أسئلة كثيرة مطروحة، فالفاتيكان يتحمّل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، لكن ليس وحده... عاش أجدادنا قرونًا طويلة في هذا الشرق وفي لبنان تحديدًا حلموا بالدولة العملاقة، جاء حلمهم مع بعض المرجعيات الروحية والعلمانية كابوسًا... لا نريد منّظرين نريد أفعالا تترجم عمليًا وفعليًا على أرض الواقع...

رسالتي هذه تكشف أنّ هناك أزمة تستدعي حلاً وما هي البدائل بعد العديد من الخلوات؟ والخلاصة ليس هناك من بدائل مثاليّة أو ممكنة مع الفاتيكان والبطريركية إنْ بقيا على ما هما عليه... الواقع مؤلم والحل يبدأ بالتغيير فهل من يتجرّأ على التغيير؟ وللبحث صلة.