من يقرأ ويسمع ويتابع الاتصالات بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​، يرى ان العلاقة بينهما اشبه بـ"السمن والعسل"، ولا يشوبها شائبة، وان التنسيق بينهما قائم بشكل تام، الى حدّ يذهب البعض الى تشبيه ما يحصل بينهما اليوم، الى ما شهدته العلاقة بين عون ورئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ حين كان الود مسيطراً بقوة في اجوائهما. ولكن في الواقع، هناك نقطتان اظهرتا للعلن ان التوتر حاضر بين الرجلين، ويهدّد بالخروج الى العلن بطريقة سريعة.

النقطة الاولى تتمثل بخلاف وجهات النظر بين عون وميقاتي حول الموقف من حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​، فالاول يرغب في إبعاده عن الصورة الماليّة بشكل نهائي، فيما الثاني يتمسك به مشيراً الى انه في الحرب "لا يمكن تغيير الضباط". موقف عون في هذه النقطة أقوى لانّ الناس تتقبّل تحميل سلامة مسؤولية كبيرة في الازمة الماليّة والاقتصاديّة التي يرزح تحتها لبنان، ولو انه من الظلم فعلاً تحميله وحده فقط هذه المسؤوليّة لانه يجب تقسيمها على العديد من المسؤولين الرسميين والسياسيين والمصرفيين والقضائيين... وذهب عون الى تكبير الحجر موجّها تحذيراً علنياً وواضحاً لسلامة بوجوب التجاوب مع طلبات شركة "الفاريز ومارسال" للتدقيق الجنائي المالي وإلاّ... وعلى الرغم من كل الشكوك التي تحيط بما يمكن ان يقوم به عون في هذا المجال وامكان انهاء هذه المواجهة بالنتائج التي يتوخاها، الا انه كسب أمرين: الاول احراج حاكم مصرف لبنان بشكل عام، والثاني العمل على اعطاء دفعة معنويّة للتدقيق الجنائي المالي ليضعه في جردة حسابات العهد الايجابيّة في مقابل ما يتمّ التحضير له من جردة حسابات سلبيّة فور انتهاء الولاية الرئاسيّة. هذه الخطوة دفعت بسلامة الى "الدفاع عن نفسه" والعمل على تلبية طلبات الشركة الدوليّة للتدقيق من دون ان يعني ذلك ان عملها اصبح اكثر سهولة.

لا يبدو ان ميقاتي تقبّل الخطوة التي قام بها عون، ولم يشأ ان يكون الردّ في الملفّ نفسه، لأنّه غير شعبي اولاً ولن يحقق مكاسب فيه ثانياً، كما يعلم ان لا قدرة لاحد حالياً على تغيير سلامة او المسّ به. لكن رئيس الحكومة لم يتأخر كثيراً في الردّ، واختار موضوعه بعناية وفق ما يظهر، واتى من بوابة سلفة الكهرباء التي يتبنّاها عون، وبطبيعة الحال النائب ​جبران باسيل​، فأعلن من على منبر قصر بعبدا عدم ادراج السلفة ضمن موازنة العام 2022، مشترطاً وضع خطة واضحة وشاملة تحدّد المواعيد المتوقّعة لتأمين الكهرباء على مدار الساعة، ما أثار ردة فعل رافضة من باسيل بعد ساعات قليلة على موقف ميقاتي. ويجب الاعتراف بأن الأخير نجح في اختيار ساحة الرد، فالكهرباء موضوع حسّاس للمواطنين وقد حصلوا على وعود على مدار السنوات بتأمين الكهرباء قبل عقود من الزمن، فيما الواقع يشير الى ان وضع ​مؤسسة كهرباء لبنان​ يسير من سيء الى اسوأ، والى ان اصحاب المولدات تحوّلوا من كونهم "امر واقع غير قانوني" الى العمود الفقري لتأمين الكهرباء، كما ان اللبنانيين لم يتقبّلوا ابداً ما تقوم به ​وزارة الطاقة​ من تسعير للكيلوواط يفوق قدرتهم بكثير على الدفع، حتى ان بعض المواطنين ذهب الى اتّهام الوزارة بالتواطؤ مع اصحاب المولدات لارضائهم من خلال التسعيرة، على حساب المشتركين. ولن يكون من السهولة على عون وباسيل الوقوف في وجه هذا الموقف الميقاتي، ففي حين ان حصيلة النقطة الاولى (اي معركة سلامة) غير مضمونة النتائج بالنسبة الى عون، فإنّ معركة الكهرباء تعطي ميقاتي حظوظاً اكبر في الحصول على ما يريده وتسجيل النقاط التي يرغب فيها، خصوصاً وانه بدأ بنسج بعض الخيوط في هذا المجال اقليمياً ودولياً.

واذا ما اخذت الامور مداها كما اعتدنا عليه في لبنان، فإن التسوية هي التي ستسود بما يبقي الملفّين على حالهما، فتنتهي المواجهة بالتعادل.