خلافًا لما يعتقده كثيرون، يبدو أنّ ​الانتخابات النيابية​ المفترضة في شهر أيار المقبل، أي خلال أقلّ من ثلاثة أشهر، ما زالت في دائرة الخطر، رغم "التطمينات" شبه اليومية التي يحاول "أصحاب القرار" أن يوزّعوها، انسجامًا ربما مع المواقف الدوليّة المتمسّكة بوجوب إنجاز الاستحقاق في موعده، أيًا كانت الظروف أو "الموانع"، إن وُجِدت.

فمع أنّ بعض القوى السياسية بدأت "عمليًا" تحضيراتها للانتخابات، في الظاهر بالحدّ الأدنى، ولو أنّها لا تزال أقلية، لا تزال الأجواء "المشكّكة" بإجراء الاستحقاق طاغية، وقد يكون لها مبرّراته، فالبلاد لم تدخل جديًا بعد أجواء الانتخابات، ومعظم الأحزاب "متقاعسة"، وكأنّها تنتظر "شيئًا ما" قبل الغوص في الشأن الانتخابيّ، حتى لا تضيع جهودها سدىً.

ولعلّ ما يؤكّد هذا الرأي أنّ ما يُسرَّب من كواليس الصالونات السياسية لا يزال حافلاً بـ"السيناريوهات" التي تتقاطع عند "تطيير" الانتخابات، حيث تنشغل الكثير من القوى السياسية بالبحث عن "مَخرَج" تأجيل الاستحقاق، أكثر من اهتمامها بتحضير "الأرضية" المناسبة لخوض المعركة، وبناء "التحالفات" السياسية والانتخابية اللازمة في سبيل ذلك.

وقد يكون "أخطر" ما في الأمر بروز جوّ جديد في الساعات الأخيرة، ولو على طريقة "جسّ النبض"، يميل نحو "تسخيف" الانتخابات، واعتبارها "تضييع وقت"، حتى إنّ هناك من لم يتردّد في وصفها بـ"المسخرة"، باعتبار أنّ "الأولويات" اليوم يجب أن تكون في مكانٍ آخر، بدل صرف كلّ "الطاقة" على انتخابات ستعيد "استنساخ" البرلمان الحالي، من دون تغييرات تُذكَر.

مثل هذا الكلام قد لا يكون تفصيلاً في المشهد، خصوصًا أنّ المراقب للشأن السياسي، ولا سيما الانتخابيّ، يلاحظ منذ فترة "اندفاعة" بعض اللاعبين السياسيين لربط الانتخابات بأيّ حدث يجري، للإيحاء بأنّها "لزوم ما لا يلزم"، وأنّ تأجيلها قد يكون "أفضل الممكن"، باعتبار أنّها لن تقدّم أو تؤخّر، مع ما لهذا الكلام من "إساءات" لمفهوم الديمقراطية ومبدئيّته.

يجد المسوّقون لوجهة النظر هذه مبرّراتهم، فالأزمة المالية والاقتصادية المتفاقمة تفرض نفسها "أولوية" على الجميع، شاء من شاء وأبى من أبى، ويرى هؤلاء أنّ "إنفاق" الأموال على استحقاق انتخابي لا يُرتجى منه شيء، سيحمّل الخزينة أعباء إضافية، ولو أنّ هناك من يحاول الحصول على "تمويل" ​المجتمع الدولي​ للعملية الانتخابية "المُكلِفة" بطبيعة الحال.

وهناك من يقول إنّ المطلوب من القوى السياسية اليوم، التي تتشكّل منها الحكومة، أن تركّز كلّ اهتمامها في الوقت الحالي على إطلاق ورشة الإصلاحات، والمباشرة بخريطة طريق "الإنقاذ"، بدل "الالتهاء" بمعارك انتخابيّة قد تزيد الأمور سوءًا، علمًا أنّ هذه "الورشة" موعودة منذ سنوات، وتأخّر إطلاقها إلى اليوم هو نتاج "سوء إدارة" هذه القوى نفسها.

وقد يكون أكثر من "نافر" أنّ بعض المروّجين لوجوب "تأجيل" الانتخابات، بذريعة الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، والتي لا تسمح بتضييع الوقت على أمور يعتبرونها "ثانوية"، هم ممّن كانوا "يدافعون" على مدى أشهر عن قرار ثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" مقاطعة جلسات ​مجلس الوزراء​، مع ما ترتّب عن ذلك من "هدر للوقت" أمام الحكومة.

باختصار، يبدو أنّ مخطط "تطيير الانتخابات" دخل مرحلة جديدة، تقضي هذه المرّة بـ"تسخيف" الاستحقاق، وتحويله من "مفصلي ومصيري" كما يصفه البعض، إلى "هامشي"، بل "مسخرة" وفق التصنيف الجديد، وهو تصنيف "معيب"، حتى لو جاءت نتائج الانتخابات "مطابقة" لسابقاتها، لأنّ "استفتاء" الشعب دوريًا يبقى ببساطة "واجبًا" لم تتقاعس عنه، أقلّه في الشكل، حتى بعض الأنظمة الموصّفة بـ"الديكتاتورية".

لكنّ محاولة إرساء هذا الجو يعزّز الخشية المتصاعدة من وجود "سيناريو" فعليّ لتطيير الانتخابات يُطبَخ في الكواليس، وفق ما يجزم الكثير من المعنيّين، بحجج وذرائع مختلفة، علمًا أنّ إصرار بعض القوى السياسية على تكريس "الضبابية" حول الانتخابات، وعدم التطرق إليها إلا بإضافة عبارة "إذا حصلت" عليها، كلّها عوامل تدفع إلى الاعتقاد بأنّ هناك فعلاً مسعى لإلغاء الانتخابات، بكلّ بساطة.

ولعلّ ما يبدو لافتًا، وربما "نافرًا"، أنّ أجواء "تسخيف" الانتخابات، ترافقت مع بعض التسريبات الصحافية التي جدّدت الحديث عن مساعي بعض الأفرقاء إلى "العبث" بموعد الانتخابات، وآخرها ما قيل إنّ بعض القوى السياسية بدأت التسويق لـ"سيناريو" تأجيل الانتخابات لمدّة عام، بحجّة الظروف الحاليّة، وباعتبار أنّ الانتخابات لن تؤدي إلى أيّ تغيير "جذري"، وفق ما يطمح البعض، ما يفرغها بالتالي من مضمونها، ويجعلها "عديمة الجدوى".

ولأنّ "لا دخان بلا نار"، يصرّ المعنيّون بالشأن الانتخابي على وجوب عدم "السكوت" على مثل هذه التسريبات والأجواء، لأنّها ببساطة تعبّر عن "نوايا مبطنة"، يكرّسها الأداء السياسي الملتبس، إذ كيف يمكن لبلد يشهد انتخابات بعد ثلاثة أشهر أن يكون "عالقًا" في دوامات لا شأن لها بالانتخابات، وهل من المنطقي أنّ قوى وشخصيات أساسية تجاهر حتى اليوم بأنّها لم "تحسم أمر" ترشحها من عدمها بعد، وكأنّ الوقت "مفتوح" أمامها؟

صحيح أنّ ضغط المجتمع الدولي يشكّل "ضمانة" وفق ما يقول كثيرون، ولا سيما أنّ كلّ البيانات والأوراق العربية والدولية تمسّكت بوجوب إجراء الانتخابات، لكنّ الخوف بالنسبة إلى آخرين، من أن تعمد القوى السياسية غير الراغبة بالانتخابات إلى "افتعال" أحداث يصبح معها التأجيل "أمرًا واقعًا"، علمًا أنّ بعض التسريبات تعطي "لمحة" عن هذه الأحداث، التي قد تأتي من البوابة الأمنية، أو حتى الاقتصادية والاجتماعية.

في كلّ الأحوال، بعيدًا عن النتائج المتوخّاة من الانتخابات، سواء جاءت "مستنسَخة" عن سابقاتها، أم حملت "تغييرًا" يطمح له كثيرون، ولو أنّ "بشائره" لا تبدو متوافرة، يبقى الأخير أنّ "دورية" الانتخابات مبدأ يفترض أن يكون "ثابتًا"، وغير خاضع لآراء ووجهات النظر هذا الفريق أو ذاك، في بلد "يدّعي" أنّه الأكثر "ديمقراطية" في المنطقة، ولو أنّ الكثير من الأحداث في العامين الماضيين أثبتت "زيف" مثل هذا الادعاء!.