لفت الأمين العام لـ"​حزب الله​" السيّد ​حسن نصرالله​، إلى أنّ "منذ عام 1948، قبل وجود "حزب الله"، كان ​لبنان​ دائمًا في دائرة التّهديد الإسرائيلي، وهذا التّهديد موجود وقائم ومستمر. أمّا في موضوع المقاومة، فيصبح التّهديد محدّدًا، ونتعاطى معه بشكل جدّي، وهو جزء من الحرب النفسيّة"، متسائلًا: "هل العدو الإسرائيلي قادر على تنفيذ التّهديدات، والقضاء على الصواريخ الدّقيقة لـ"حزب الله"؟ هل يعرف عددها وأماكنها الموزّعة؟".

وشدّد، في حديث إلى قناة "العالم" ال​إيران​يّة، على أنّ "حجم انتشار القدرة الصاروخيّة للمقاومة وعدد الصواريخ، لا يتيحان له أن يقوم بشيء من هذا النّوع. عندما يقول إنّه يريد أن يقضي على الصواريخ الدّقيقة لدى المقاومة في لبنان، فهذا يعني أنّه بحاجة إلى حرب، لأنّ العمليّة العسكريّة لا تكفيه، وفي كلّ الأحوال فإنّ العمليّة العسكريّة سيكون لها ردود الأفعال المتناسبة والقويّة والرّادعة من قِبل المقاومة في لبنان، وهذا التزام علني".

وأوضح السيّد نصرالله أنّ "نظريًّا، إذا أراد العدو مواجهة القدرة الصّاروخيّة للمقاومة، هو بحاجة إلى حرب حقيقيّة كاملة، فهل هو قادر عليها؟"، مركّزًا على أنّ "حجم القدرات الموجودة كمًّا ونوعًا والقدرة البشريّة الموجودة الّتي لا سابق لها في تاريخ لبنان، بل في تاريخ المقاومات بوجه العدو، لا تمكّنهم من القضاء على المقاومة في أيّ حرب، لذلك خيارهم في السّنوات الأخيرة، ليس خيار الحرب".

وذكر أنّه "لو كان العدو لديه 50% تأكيد أنّه إذا شنّ حربًا اليوم أو أمس أو غدًا على لبنان، يمكنه أن ينهي قدرة المقاومة، لفعل ذلك. لكن لأنّهم ليسوا واثقين من النّتائج وخائفين من الإخفاق والهزيمة وردّات الفعل، هم لا يلجؤون إلى خطوة بهذا الحجم. رهاناتهم في مكان آخر: الحصار الاقتصادي، دفع لبنان إلى انهيار اقتصادي وأمني، وإلى "ثورة شعبيّة على المقاومة" كما يسمّونها".

وبيّن أنّ "المقاومة اليوم، بالنّظر إلى حضورها والاحتضان الشّعبي وقوّتها ووحدتها وصلابتها ومعنويّاتها، تجاوزت مسألة الخطر عليها، لكن هذا لا يعني أن نذهب وننام"، مؤكّدًا أنّ "هناك أمور مخبّأة لمفاجأة العدو في أيّ حرب مقبلة". وكشف "أنّنا في العامين الماضيين، فعّلنا نظام الدّفاع الجوّي في المقاومة الإسلاميّة لاسّيما بمواجهة المسيّرات، وحتّى الآن أعطى ذلك نتائج جيّدة وحركة المسيّرات الإسرائيلية الجويّة تراجعت بشكل كبير جدًّا". وأفاد بأنّ "مثلًا، في منطقة البقاع، كانت يوميًّا تأتي المسيّرات الإسرائيليّة إلى أجوائها، والآن أحيانًا يمرّ شهر أو أكثر من دون تسجيل مرور مسيّرة واحدة، وهذه سابقة منذ أن بدأ العدو بإرسال مسيّرات إلى الأجواء اللّبنانيّة".

وأعلن نصرالله أنّ "في زمن الحرب، إذا حصلت لا سمح الله، ونحن لا نسعى إليها ولا نهواها، ولكن لا نخشاها ولا نستلسم أمام التّهديد بها، هناك بالتّأكيد أمور مخبأة لمفاجأة العدو". وردًّا على سؤال حول تقارير إسرائيليّة عن امتلاك المقاومة منظومة دفاع جوّي متقدّمة، قال: "نحن لا نعلّق، لكن كلّ شيء وارد وممكن ومحتمَل، والمقاومة معنيّة بامتلاك أيّ سلاح يمكّنها من الدّفاع عن هذا الوطن والشّعب"، لافتًا إلى أنّ "جزءًا من قواعد الاشتباك مع العدو، تغيّر".

وعن اتّهام "حزب الله" بأنّه "إيراني وليس لبنانيًّا"، رأى "أنّنا سنسمع الكثير من هذا الكلام من اليوم وحتّى ​الانتخابات النيابية​"، سائلًا: "ما هي المعايير والموازين الّتي تحكم على أساسها بلبنانيّة حزب؟". وأكّد أنّ "قيادة "حزب الله" وأفراده ورجاله ونساءه كلّهم لبنانيّون وحملة الجنسيّة اللّبنانيّة منذ أن وجدت هذه الجنسيّة. الحزب من رأسه إلى أخمص قدمه مُشكَّل من اللّبنانيّين، والمقاومة في لبنان مصلحة وطنيّة كبرى ومصلحة أمن وأمان وكرامة وحريّة ووجود".

وجزم أنّ "قرار "حزب الله" لبنانيّ، ويأخذ مصالح لبنان ومصالح شعبه بشكل أساسي، وله أن يكون صديقًا وحليفًا مع إيران وهذا لا يلزمه بشيء"، مبيّنًا أنّ "الّذي يجب أن نناقش إذا كان حزبًا لبنانيّا أم لا، هي بعض الأحزاب الّتي تأتمر بأوامر السّفارات، وتتآمر على المقاومة المدافِعة عن حقوق لبنان وحدوده". وذكر أنّ "الفريق الّذي يعادي المقاومة في لبنان، "ما عندو شي". منذ عام 2005، هم موجدون في الحياة السّياسيّة، فليقولوا لنا ماذا قدّموا للبنان؟ هؤلاء ليس لديهم خطّة أو برنامجًا لإنقاذ لبنان، سوى الهجوم على المقاومة والحزب وإيران. فلتلمس النّاس إنجازًا قاموا به، غير التنقاضات والصّراعات ووضع البلد على حافة الحرب الإهلية".

كما شدّد نصرالله على أنّ "الكل يعرف أنّ ​السفارة الأميركية في بيروت​ تتدخل في الانتخابات النيابية المقبلة، والسفيرة الأميركية تتكلّم علنًا عن الانتخابات وتقوم بزيارات، ووفود من السفارة الأميركيّة تجول في البلد وتتدخّل بموضوع الانتخابات. أمّا السفارة الإيرانية في بيروت، من السّفير إلى أصغر موظّف فيها، لا تتدخّل بالانتخابات. لا يوجد أي جهة إيرانيّة تتدخّل في الانتخابات".

ورأى أنّه "لا يوجد احتلال أميركي في لبنان، بل نفوذ سياسي ومالي وعسكري وأمني. مثلّا بالنّسبة للنّفوذ المالي، هل يمكن أن يتجاوز المصرف المركزي أي ضوابط تفرضها الخزانة الأميركية؟ النظام المصرفي اللبناني خاضع لقرارات الخزانة الأميركية"، مركّزًا على أنّه "لا يوجد قواعد عسكريّة أميركيّة في لبنان، لكن لديهم حضور في المؤسسة العسكرية، وهناك ضباط أميركيون في اليرزة والسفيرة الأميركيّة لا "تتعزل" من هناك و"قاعدة لازقة حازقة" بالجيش اللبناني"، وهذا أمر غير سوي ويجب معالجته".

وركّز على أنّ "من المعروف أنّ السفارة الأميركية في لبنان، هي المركز الرّئيسي للمخابرات المركزيّة الأميركيّة على متسوى المنطقة، والسّفارة الّتي يقومون ببنائها، هي سفارة للمنطقة كلّها وليس فقط للبنان. دور السّفارة ليس فقط لبنانيًّا"، موضحًا أنّ "المخابرات الأميركية الّتي تعمل ضمن مستوى معيّن، في مرحلة معيّنة، باتتت السّفارة الأميركيّة في عوكر تجنّد لبنانيّين لتجمع معلومات عسكريّة يحتاجها الإسرائيلي. بالتّالي، كل من يقول إنّه نريد دولة سيّدة، يجب أن يواجه هذا النّفوذ المخرِّب".

وذكر الأمين العام لـ"حزب الله"، أنّ "العقوبات على الافراد تلحق أذىً وبعض التجّار هم مظلومون، ويكفي أن يكونوا من البيئة أو الأصدقاء حتّى يلحقهم الأذى"، كاشفًا أنَّ" الأميركيّين طلبوا أكثر من مرّة التّفاوض مع المقاومة وعلى مدى سنوات قبل الـ2000 وبعدها، وفي الاونة الأخيرة دائمًا هناك محاولات فتح قنوات اتّصال. المحاولات الأميركيّة لفتح قنوات اتّصال مع "حزب الله" عبر جهات مختلفة لم تتوقّف، ومن خلال الوسطاء حصل نقاش، وقلنا إنَّه ليس هناك حاجة لهذا التّفاوض ونحن أعداء".

وبموضوع ​ترسيم الحدود​ البحرية اللبنانية، أعلن "أنّنا كمقاومة لا نتدخّل في ترسيم الحدود، لأنّ بالنّسبة لنا لا وجود لإسرائيل أو لحدود لها، لنكون جزءًا من ترسيم الحدود معها، لكن هنك أرضٍ فلسطينيّة. لدينا موقف مبدئي، خلفيّته عقائديّة، وقلنا إنّ الدولة اللبنانية ترسّم الحدود، ونحن لا نتدخّل، وما تقرره الدّولة نلتزم به"، مشدّدًا على أنّ "أيّ شبهة تطبيع أو تعاون أو تنسيق مع العدو، نحن ضدّها".

وعمّا يُعرف بـ"الورقة الكويتية" الّتي حملها وزير الخارجيّة الكويتيّة خلال زيارته لبنان، أشار إلى أنّ "الحزب ليس الجهة الّتي أُرسلت إليها الورقة، ولسنا معنيّين بالإجابة عليها"، مفسّرًا أنّ "بالشّكل، لبنان دولة ذات سيادة، ولا يصحّ أن يأتي أحد ويملي عليه إملاءات ويحدّد وقتًا للردّ".

ووجد نصرالله أنَّه "في المضمون، كان الأفضل أن تذهب الأمور نحو حوار بين لبنان والدول العربية، وهذا أمر مناسب ونحن نؤيّده. لو قالوا إنّ هذه الورقة هي مسودّة، ونريد القيام بحوار لبناني- عربي أو لبناني- خليجي حولها، فلا مانع لدينا"، مؤكّدًا أنَّه "إذا اعتَبروا أنّنا نتدخل بشأن الدول العربية بسبب ملف اليمن، أيضًا هم عليهم ألّا يتدخّلوا بشؤون لبنان الدّاخليّة، وهذه الدول تتدخّل بالشّؤون العربيّة في ​سوريا​، الّتي أشعلوا فيها الحرب، وكذلك يتدخّلون بالعراق وليبيا وغيرها من الدول العربيّة. أمّا نحن، فلا نتدخّل لا بالإمارات ولا بالسعودية ولا بغيرها من الدول الخليجية، بل نساند الشعب اليمني المعتدى عليه من قبل السعودية".

وعن الانتخابات النيابية، لفت إلى "أنّنا في ظلّ الحديث عن مواجهة المقاومة والحرب على المقاومة، من الطّبيعي سنقول إنّنا يجب أن نحمي المقاومة من خلال الانتخابات، بغضّ النّظر عن الأكثريّة"، مركّزًا على أنّ "أصل عنوان حضورنا في المجلس النيابي كان ينطلق من أسس واضحة، والعنوان الأول كان حماية المقاومة ومجتمع المقاومة، والشعار المرفوع اليوم من قبل الدّول المموّلة هو محاربة المقاومة"، مؤكّدًا أنّ "عنوان حزب الله دائمًا "نحمي ونبني".

ونوّه إلى أنّ "من المهمّ أن يكون أصدقاء المقاومة في البرلمان كُثر لتشكيل دفاع عنها"، مبيّنًا أنّ "العنوان الثاني لحضور الحزب في المجلس النيابي هو لتخفيف الضّرر عن النّاس. حضورنا له تأثير على انتخاب الرّئيس وتشكيل حكومة، وهذا يخدم حماية المقاومة وبناء الدّولة والوضع الاقتصادي، وحضورنا في البرلمان له وجه يتعلّق بالملفّات الدّاخليّة والقوانين المتعلّقة بحياة اللّبنانيّين".

إلى ذلك، كشف نصرالله أنّ "حزب الله تمنّى على رئيس الحكومة السّابق ​سعد الحريري​ أن يصرف النّظرعن تعليق العمل السّياسي، وكان هذا القرار مؤسفًا والتّواصل والتعاون سوف يستمرّ مع تيار "المستقبل"، معتبرًا أنّ "بطبيعة الحال، غياب تيار كبير كتيار "المستقبل"، له تأثير كبير على الانتخابات، وحتّى الآن المشهد غير واضح، والحزب ينتظر ليرى الأمور إلى أين ستذهب بعد اعتزال الحريري".

وأضاف: "الحديث عن أنّ انسحاب الحريري و"المستقبل" سيفتح بابًا للتطرّف، أرى أنّه مبالغ به، لأنّ الوضع العام عن أهل السنّة في لبنان هو الاعتدال، وحالات التطرّف محدودة ومعزولة". وأفاد بأنّ "الخوف ليس أن ينتقل السنّة من الاعتدال إلى التطرّف، بل أنّه عندما يحصل انسحاب بهذه الطريقة، فهذا سيترك نوعًا من الإحباط، وتأثيرات على التّحالفات والتركيبة السّياسيّة. لكن الحديث عن أنّه لأنّ هناك قائدًا سياسيًّا انكفأ علن الانتخابات، فهذا سيحوّل السّاحة السنيّة إلى سيطرة الجماعات المتطرفة، غير صحيح".

من جهة ثانية، أعلن أنّ "هناك مشروعًا لإحياء تنظيم "داعش" من جديد في سوريا والعراق"، مشيرًا إلى أنّ "بعض الأهداف الّتي تُقصف من قبل الجيش الإسرائيلي في سوريا عائدة لـ"حزب الله"، سواء كانت معسكرًا أو نقطة تموضع أو غير ذلك. بالنّسبة للردّ، قمنا بمعادلة أنّه إذا سقط لنا شهداء بالقصف الإسرائيلي، فسنردّ من لبنان، وقد كنّا سائرين بهذه المعادلة، وسنبقى".

في سياق آخر، رأى نصرالله أنّ "الحرب على إيران مستبعَدة في ظلّ الإدارة الأميركية الحاليّة. هذا الاحتمال كان واردًا ويمكن البعض يعطيه نسبة معيّنة عالية في زمن إدارة الرّئيس الأميركي السّابق دونالد ترامب، لكن ترامب وطنطنته وهدّد بالحرب وأخذ الأمور إلی حافة الحرب، لكنّه لم يذهب إليها. الحديث عن الحرب هو دائمًا للتّهويل، للتّهديد وللضّغط علی إيران".

وشرح أنّ "إيران ليست دولة عاديّة، بل دولة إقليميّة قويّة حاضرة، لها دور كبير في المنطقة، وأيّ حرب مع إيران ستؤدّي إلی تفجير المنطقة بالكامل، وهذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية علی الإطلاق. أضف إلی ذلك أنّ أولويّات الإدارة الحاليّة ليست الحرب مع إيران، بل محاولة التّفاهم معها حول موضوع الاتفاق النووي، بالإضافة إلى أولويّة الصين وروسيا". وبيّن أنّه "إن وُقّع اتّفاق نووي، فهذا يعني أنّ الأمور ذاهبة إلى انفراجات معيّنة، وإذا لم يحدث ذلك فسيكون خيارهم المزيد من استمرار العقوبات، التحريض والضّغوط والرّهان على الدّاخل الإيراني، كما كان في زمن ترامب".

وشدّد على أنّ "حلفاء الاحتلال الإسرائيلي لا ينفعون شيئًا، وأنا أميل أكثر إلى فرضيّة أنّ ما يقوله الإسرائيلي هو تهويل، حيث أنّ هناك انقسامًا حقيقيًّا في إسرائيل على المستوى السّياسي والأمني والعسكري. وما أعرفه من خلال متابعتي، أنّ أغلب المستوى الأمني والعسكري، يخالف القيام بضربة عسكريّة من هذا النّوع على إيران، لسببين: الأوّل، يقول إنّ هذه الضربة لن تكون مجدية، بل بالعكس هذا قد يسرّع البرنامج النووي الإيراني بما يخشونه. والسّبب الثّاني، هو حجم ردّ الفعل الايراني، فإيران لا تمزح، وهي ستردّ، يعني البعض قد يتصوّر أنّ إسرائيل إذا قصفت إيران، فإنّ الجمهوريّة الاسلاميّة ستعتمد على أصدقائها في المنطقة".

وجزم نصرالله أنّه "إذا قُصفت إيران من قبل الإسرائيليّين فهي من ستردّ بالمباشر، وردّها سيكون قاسيًا وعنيفًا وشديدًا، وهذا ما يعرفه الإسرائيليّون جيّدًا، ولذلك فإنّ الأغلبيّة في المستوى العسكري والأمني يخالفون الذّهاب إلى العمل العسكري من هذا النّوع، وأنا أستبعد قيام العدو الإسرائيلي بشيء من هذا، وإذا أقدم عليه فإنها ستكون حماقة لها تداعيات خطيرة جدًّا". وذكر أنّ "من الواضح بأنّه سيكون ردًّا عنيفًا من إيران، على ضوء هذا الردّ سنرى مدى التّداعيات والتطوّرات، وفي تلك اللحظة، فإنّ محور المقاومة أيضًا هو مستعد، ويقرّر بما يتناسب مع الظّروف في ذلك الحين".