في عيدك أبتْ مار مارون،لا أدّعي المثالية كما يدّعيها قياديّو اليوم ونحن منهم براء...لكنني أحاول في هذه المناسبة المقدّسة أنّ أسلّطَ الضوء على قادة عاثوا فسادًا في جمهورية لبنان، وخرّبوا المارونية السياسية وأجهضوها لأنهم يخافون صفحات تاريخ تُكتب بحبر الحرية والكرامة وعزّة النفس والطهارة.

نشأ الشعب الماروني في جبل لبنان الذي يُحاول بعض الإستغلاليين فصله عن قلبه الجبلي النابض ليربح مقعدًا نيابيًا لا يمُّتْ إلى واقع تخصيب الزمان والمكان، وكل الهدف تضليل الرأي العام تحت حجة واهية هي تقصير مسافات المواطنين الراغبين في إنجاز معاملة معيّنة.

في عيدك مار مارون،أقف منحنيًا أمام عظمة موارنة حلّت عليهم المحن جيلاً بعد جيل فوقفوا بوجهها ورؤوسهم شامخة في السماء والكرامة والشرف ينقطّان من جباهمم العالية علوَّ السماء...عرفتُ من هم الموارنة الشرفاء فخشعتُ لصدق أعمالهم ولقداسة قدّيسيهم وفي طليعتهم الراهب شربل مخلوف(القدّيس شربل)،هذا الشعب الماروني الذي حمل رسالة عظيمة أيقظت روح التضامن والإلفة والعطاء والكرم والسخاء والبطولة، وكل بطل إنضّم لهذا الشعب حملَ مسؤوليته وتابع مسيرة بذل العطاء والكرم والتضحية والعزّة والعنفوان وإنني على هذه الطريق سالك طريق المجد والعطاء والمحبة .

في عيدك مار مارون،أردِّدُ ما علّمته لتلاميذك إذ قلت لهم أنّ يسوع جاء ليجعل الكثيرين واحدًا،فتبعوا يسوع وتبعوك وأنشدوا الوحدة،وحملوا إسمك وأصبحوا كنيستك يا شفيعنا.عرِفوا الإضطهاد والمجازر ولكنهم إحتموا في جبال لبنان وتحدّوا كل غازٍ ومُضطهد وفاسد وقاتل،تعاقبت الأجيال فظلوا متضامنين متحدين،وظلّوا حاملين رايتك راية القداسة والمحبة والبذل والصلاة والتقشّف،وراحوا يبنون الكنائس على إسمك والأديار والقرى في لبنان وفي البلدان البعيدة...أما اليوم الصورة معكوسة شعب مُضلّلْ مغلوب على أمره بسبب قادة إمتهنوا العهر السياسي والإرتهان والتبعية للغريب وهجّروا هذا الشعب الأبيّ من داره التي بُنيتْ حجرًا حجرًا، والمؤسف أنّ هذه الطغمة تدّعي العفة وهي فعليًا في ذروة العهر القاتل .

في عيدك مار مارون،هل يعلم من صُنِّفوا قادة عند الموارنة أنّ الموارنة اليوم هم أكثر من ستة ملايين نسمة منهم في لبنان والقسم الأكبر منهم سافر إلى حيث يتواجد أهلهم في العالم: البرازيل والأرجنتين وأستراليا والمكسيك وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من البلدان...وقصة إنتشارهم وأهم تاريخهم أنهم أينما حلّوا هم العباقرة التي تنحني لهم الجباه لأنهم يُخصبّون الزمان والمكان ويُبدعون أينما كانوا...وظلّ الموارنة الأكثر عطاءً ونُبلاً وكرمًا وإبداعًا وهم خير دليل على أنهم تعلّموا تعاليم الحرية والإبداع والصلاة بفضل إيمانهم بقدسية معلمهم مار مارون.

في عيدك مار مارون،أحيِّ الموارنة الأجداد الذين ورثوا أرضًا أقل من الصفر على ما يقول العلاّمة الأب ميشال حايك،أرضهم كانتْ الجرد والصخر والقفر والجراد، تعاقبت عليهم الصعاب والأعاصير والأمبراطوريات وبدأو يعملون بها وينقِّبونها ويسقونها بعرق الجبين ودمع العيون لِتخصِبَ وتعطي وتُصدُقَ معهم كلمة السيّد المسيح في الكتاب المقدّس، وتعطي كل واحدة من الأراضي فوق المئة ضعفْ وتصبح الأرض فيما بعد للإنسان الماروني وطن أرض الحرية ومكانا للصلاة ومنبع القدّيسين ومحبة وعنفوان وزهوة نفوس عظيمة للأمة اللبنانية المارونية العظيمة...

اليوم شعبنا الماروني مغلوب على أمره يُناقض واقعه الحالي سيرة أبائه الجبّارة، نظرًا لِما يرتكب أصحاب المقامات سواء أكانوا علمانيين أو روحيين من حرتقات وإنقسامات وتمزقات، وهي السبب في دمار هذه الهوية العظيمة التي أنشأها الأجداد بعرق الجبين وبجبين عالٍ "بينقّط منّو الشرف والكرامة"...

في عيدك مار مارون،أترّحم على أجدادي الموارنة هؤلاء الذي كان مداهم الحقيقي وطنهم لبنان وكنيستهم المارونية السريانية، ورسالتهم التي إمتدّتْ إلى أبعد من الحدود اللبنانية، لأنها رسالة محبة وعطاء وصلاة وقداسة وبكنيسة تُخصّبْ كل الكنائس وتُبدع بقدّيسها: شربل، رفقا، الحرديني، إسطفان نعمه وغيرهم من الرهبان على طريق القداسة... الموارنة الأجداد كان لهم رسالة عالمية خالدة،يقتضي العمل بموجبها حتى الشهادة، وهذه الرسالة لا تقتصر على التأمل والصلاة والتصوّفْ فحسب، بل تناولت أيضًا في ذاتها وبجوهرها الخدمة بكل أوجهها والمساعدة ونجدة الغير وتخليصهم من المخاطر التي تهدد حياتهم ووجودهم، فلا مارونية محققّة ومعاشة بدون موارنة شرفاء ولا مسيحية مجسدة بدون موارنة شرفاء لأنّ المارونية أبتِي مار مارون كانت روح وطريق قداسة، وهي أيضًا إنسان وشعب وأرض وحرية رسمتْ هويتها على مولدها وعلى تاريخها حتى النهاية... أما اليوم وفي هذا الجو المشحون بالأحقاد والضغينة والتبعية ملزمون في هذه الظروف الخطيرة وفي جو قادة موارنة يُجيّرون السيادة عمدًا إلى الغريب للدفاع عن المارونية السياسية والدفاع عن الشعب الماروني والوطن والأرض والحرية... هذه هي القيم المارونية الحقيقية التي تجسّدت فينا نحن الموارنة الشرفاء وستعطي المعنى السامي للمارونية التي تفقد رونقها وحضورها مع هذه الطبقة الفاشلة.

في عيدك مار مارون،إنّ من يعرف تاريخ الموارنة جيِّدًا يحني رأسه إحترامًا لأنه يجد نفسه حُكمًا أمام شعبٍ عظيم ويتلّمس طعم الكرامة في عيونهم ويشعر بفرحٍ كبير لأنه يقف بحضرة عظماء مبدعين ومعطائين...لديهم رسالة رائدة توقظ روح التضامن والعطاء...وكل من يُريد أن ينضمّ إلى هذه الجماعة المارونيّة عليه أنْ يتحمّل كامل مسؤولياته ويُتابع مسيرة بذل النفس موقنًا ما يحتاج إليه الموارنة اليوم وأختصره بما يلي :

1. إسترجاع روحية العيش في جبال يانوح وقنّوبين وميفوق .

2. ألاّ يتميّز أحدهم عن الآخر بل يتميّزون جميعهم عن العالم .

3. أنْ يكونوا شعبًا واحدًا يعمل لملكوت ومجد الله .

في عيدك أبتي مار مارون،ليست المرة الأولى نواجه كموارنة تحديًا خطيرًا يُهدِّدْ وجودنا وحريتنا لقد إخترنا طوال أكثر من 1500 عام أنْ نكون شهودًا ومناضلين شرفاء ورُسل محبة ومدافعين عن وطننا وكنيستنا وشعبنا، وقدّمنا آلاف الشهداء على مذبح خدمة الوطن...عرفنا كشعب ماروني جوهر النضال الشريف فإختطينا الجوهر مستلهمين خطاك أبتِ وبطاركتنا القدّيسين الذين عرفوا كيف يقفون في وجه التحديات وعرفوا كيف يخرجون منها راسخين في إيمانهم وبمجد كنيستهم المارونية السريانية أشّدّاء نحن في الدفاع عن معتقداتنا وخصوصياتنا واثقين من مستقبلنا ...

في عيدك أبتِي القديس مار مارون نعاهدكَ ونعاهد أنفسنا ونعاهد شعبنا أن نكون شهودًا للحق ومدافعين عن تراثنا وكنيستنا المارونية وأن نتميّز بالعزيمة على إقتلاع هذا الطقم من السياسيين الفاشلين، ونعاهدك أن نصبر على الشدائد وسنضحّي، هذه هي صفاتنا التي رافقت أجدادنا وتلازمنا اليوم في هذه المحنة الصعبة، وسنثبُت على العزيمة. سؤال نطرحه عليك أبتِ القديس مار مارون نجد فيه أنفسنا معنيين بالإجابة عنه بوضوح لا لُبْسَ فيه ولا إبهام، نحن اليوم في صميم الألم الكبير ألم جلجلة، هل سترضى علينا وترافقنا بصلاتك لنصل إلى طريق الخلاص، التي هي السبيل الأوحد لتحرير المارونيّة السياسية من جحافل الحقد والإرتهان؟ وتتكاثر الأسئلة في قلوبنا لنختم: أبتِي مار مارون هل أنتَ راضٍ عن هؤلاء أم أنك غاضبٌ من قادة خرّبوا كنيستك وأديارك ولبنان؟ وفي النهاية رضاكَ أبتِي وصلاتكَ معنا ترافقنا في كل مسيرتنا النضالية.