منذ أشهر غير قليلة، لا يفوّت ​المجتمع الدولي​ "فرصة" إلا ويستغلّها للتشديد على وجوب إجراء ​الانتخابات النيابية​ المقرّرة في ​لبنان​ في الخامس عشر من أيار المقبل، في موعدها، من دون أيّ تسويف أو مماطلة أو مراوغة، معزّزًا "الشكوك" وفق كثيرين بـ"حتميّة" إجراء الاستحقاق الذي يفترض أن العدّ العكسي لبلوغ "ذروته" قد بدأ عمليًا.

الأسبوع الماضي، شدّد ​مجلس الأمن​ في بيان صحافي، على أهمية "إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة كما هو مقرر في 15 أيار 2022، بما يضمن المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة"، ودعا ​الحكومة اللبنانية​ إلى "تمكين هيئة الإشراف على الانتخابات من تنفيذ ولايتها، ولا سيما من خلال تزويدها بالموارد الكافية والبدء في عملية تسمية المرشحين".

ومنذ يومين، صدر موقف مشابه "لافِت" عن السفيرة الأميركية لدى لبنان ​دوروثي شيا​، أكّدت فيه أنّ هناك "إجماعًا" في المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها "بصورة تتسم بالنزاهة والشفافية". ولم تكتف بذلك، شدّدت على أنّ "لا مجال للمناورة"، في رسالة ضمنيّة واضحة لبعض القوى السياسية اللبنانية التي لا تزال تسعى للتمديد.

لكن، إذا كان إجراء الانتخابات في موعدها أمرًا بديهيًا ولا بدّ منه، لماذا يصرّ المجتمع الدولي على التشديد على ذلك في كلّ المناسبات؟ ولماذا يطلق موقفًا "استباقيًا من هذا النوع، لا "أساس" له حتى الآن على أرض الواقع، طالما أنّ الحديث عن "التمديد"، لم يخرج حتى الآن من دائرة "التسريبات" التي قد تكون لجسّ النبض، ولكن قد تكون من "نسج الخيال" أيضًا؟.

ثمّة رأيان من هذه المسألة، الأول يقوم على أنّ التشديد على مبدأ "دورية" الانتخابات، خصوصًا في الدول التي تشهد ظروفًا وأوضاعًا استثنائية كتلك التي يشهدها لبنان، هو عمل يدأب عليه المجتمع الدولي، وهو لا يُحصَر بدولة واحدة دون غيرها، وقد حصل سابقًا، على سبيل المثال لا الحصر، في العراق، وكذلك في ليبيا، حيث أرجئت الانتخابات إلى موعد غير محدَّد.

وبالتالي، فإنّ إصرار المجتمع الدولي على إجراء الانتخابات في لبنان ينطلق من "البديهيات" نفسها، لأنّ "تداول السلطة" لا ينبغي أن يكون "مَوضِع" نقاش، ولعلّ تجربة لبنان مع "التمديد" عام 2009 والذي استمرّ لسنوات طويلة، تعزّز "مخاوف" المجتمع الدولي من نوايا "مبيّتة" لدى البعض لتكرار "السيناريو" نفسه، خصوصًا أنّ ظروف اليوم "أسوأ" بأشواط، وفق تصنيف كثيرين، من تلك التي وُصِفت يومها بـ"القاهرة".

ولا شكّ أنّ ما يزيد من "اندفاعة" المجتمع الدولي يتمثّل في "التسريبات" المتكرّرة في لبنان، عن "مؤامرات ومخططات" لتطيير الانتخابات، وهي ما تكاد "تنطفئ" حتى "تستيقظ" من جديد، علمًا أنّ آخرها جاء قبل يومين فقط، وانتشر كالنار في الهشيم، متزامنًا مع حملة جديدة تقوم على "تسخيف" الانتخابات، باعتبار أنّها ستكون "هدرًا للوقت والمال"، ولن تفضي إلى أيّ "تغيير حقيقي" في الخريطة والمعادلات.

قد يكون كلّ ما سبق منطقيًا وواقعيًا، خصوصًا أنّ الكثير من الكتل والأحزاب السياسية، وبعضها من الوزن "الثقيل"، لا تزال تتعامل مع الاستحقاق الانتخابي بـ"ارتباك"، وكأنّها تنتظر صدور قرار التمديد، أو تبحث عن "المَخرَج" الذي يجعله "أمرًا واقعًا"، في ظلّ "تكهّنات" متصاعدة عن أحداث ستشهدها الأسابيع المقبلة، قد يكون بعضها "مفتعَلاً" لتبرير مثل هذا التمديد، سواء من بوابة التدهور الأمني أو الانفجار الاجتماعي.

لكن، بعيدًا عن هذه المقاربة التي قد تبدو "بريئة" إلى حدّ بعيد، ثمّة من يتحدّث عن "خلفيّات" أخرى يستند إليها المجتمع الدولي في تشديده على وجوب إجراء الانتخابات، وهناك من "يتوجّس" من مخطّطات تقودها بعض الدول والمجموعات الغربية في محاولة لـ"توجيه" المسار الانتخابي، علمًا أنّ إشاعات يتداولها كثيرة عن "أموال طازجة" بدأت تُنفَق في سبيل ذلك على أكثر من خطّ ومستوى.

ولعلّ "​حزب الله​" يتصدّر قائمة "المتوجّسين" من الأمر، رغم أنّه يؤكد أنّه "مطمئن" لواقعه الانتخابي الذي لن يتغيّر بأيّ شكل من الأشكال، وقد تولى أمينه العام السيد حسن نصر الله "ترجمة" هذا الانطباع في مقابلته الأخيرة، حين وجّه اتهامات مباشرة إلى السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا بـ"التدخل" في الانتخابات، متحدّثًا عن "نفوذ" أميركي سياسي واقتصادي ومالي وعسكري وأمني، وعن "تجسّس" في ​السفارة الأميركية​، وغير ذلك.

يقول المطّلعون على موقف "الحزب" إنّ "توجّسه" لا يعني أبدًا أنّه لا يريد إجراء الانتخابات، فهو يُعَدّ من أوائل الأحزاب التي بدأت الاستعداد للاستحقاق منذ أربعة أشهر، وبات الشعار جاهزًا شأنه شأن البرنامج، كما أنّ أسماء المرشحين باتت محسومة تقريبًا، وهو شبه "واثق" أنّ النتائج لن تفرز تغييرات جوهرية، على الأقلّ في مناطق "نفوذه" حيث لا يتوقّع أن يتعرّض لأيّ "خرق"، رغم كلّ ما يُحكى عن "نفور" من جانب جمهوره في الآونة الأخيرة.

لكنّ الحزب، وفق هؤلاء المطّلعين، ينظر بعين "الريبة" إلى الاندفاعة الدولية، ولا سيما الأميركية، خصوصًا أنّها تتزامن مع "روايات" كثيرة عن "رهانات" لدى واشنطن، وغيرها من العواصم العربية والإقليمية، على أنّ الانتخابات ستكون "أشبه" بانقلاب سلمي عبر صناديق الاقتراع، وأنها "ستقتلع" الطبقة الحاكمة، وفي مقدمها "حزب الله"، من جذورها، وستعيد رسم الخريطة السياسية عن بكرة أبيها.

قد لا يكون مثل هذا الأمر واردًا، وفق اعتقاد "حزب الله"، ولكن أيضًا وفق تقدير معظم مراكز استطلاع الرأي، التي تتقاطع على أنّ التغييرات، إن حدثت، لن تكون "جذرية"، وأنّ الحزب بالتحديد قد يكون الأقلّ تأثّرًا، خلافًا لبعض حلفائهم، ومن بينهم "​التيار الوطني الحر​"، الذي تشير بعض التقديرات إلى أنّ "شعبيّته" تراجعت، ولو أنّ العِبرة تبقى في الخواتيم، وهي تنتظر "نضوج" التحالفات لتتّضح الصورة بعد ذلك.

في النتيجة، قد يكون التشديد على إجراء الانتخابات ضروريًا، تفاديًا لسيناريو لا يزال في "قاموس" البعض، رغم بدء العدّ العكسي لموعد الانتخابات، لكنّ السؤال الذي يطرحه بعض "المتوجّسين" من "نوايا" الخارج يبقى: ماذا لو جاءت نتائج الانتخابات بخلاف "تطلعاتهم وطموحاتهم"، وهو المرجَّح؟!.