"المجلس سيد نفسه". عبارة دأب على تردادها رئيس ​المجلس النيابي​ الحالي ​نبيه بري​ عند كل استحقاق او مفترق يكون فيه ​مجلس النواب​ امام وضع حرج او الزامية درس مشروع او اتخاذ قرار حاسم. هذه المقولة جيدة وفي مكانها انطلاقاً من مبدأ فصل السلطات، ولكن يبدو انها توسعت لتصل الى مكان آخر اكثر خطورة، وهي الاستحقاق الانتخابي بحيث يرغب المجلس ان يبقى سيّد نفسه لناحية تحديد هويّة اعضائه، على الاقل حزبياً وسياسياً وليس لجهّة تحديد اسماء من سيكون تحت قبّة البرلمان ام لا. بمعنى آخر، لن يقبل المجلس النيابي الحالي حصول أيّ تغيير دراماتيكي في هويّته العامّة، وهو في المقابل سيكون منفتحاً على دخول بعض الاشخاص المدعومين من قوى محليّة وخارجيّة، لانه امر يصب في مصلحته كونه يعطيه نوعاً من المصداقية بأنّ المحاولات للقوى غير الحزبية قد اعطت مفعولها، فيما الواقع يصب في خانة واحدة وهي ان التغيير المرجوّ لم يحصل. كل هذه التوقعات مردّها الى خريطة التحالفات التي تم نسجها، او يتم العمل على نسجها، وتوحي بما لا يقبل الشك بأنّه عند التقاء المصالح تنتفي اسباب الخلافات مهما كانت اساسيّة وكبيرة. من هذا المنطلق، يمكن قراءة التحالف غير المعلن رسمياً بعد بين ​التيار الوطني الحر​ وحركة "امل"، فالخلاف بين الطرفين وصل الى ابعد ما يكون، ناهيك عن انه لا تجمعهما اي رؤية سياسية او داخلية موحّدة، اضافة الى انّ الكلام العالي السقف الذي تبادله المسؤولون في الحركة والتيار اكبر من ان يتمّ نسيانه. ولكن، بسحر ساحر، ها هما في طريقهما الى "التفاهم" او "الالتقاء" على ان ضمان نفوذهما في البرلمان اهم من كل المشاكل بينهما مهما تعددت.

هذا المثل ليس الوحيد، ولكنه الاكثر استقطاباً للانظار والتعجب، من دون ان يعني ذلك انه ليس هناك من تحالفات او تفاهمات غريبة لا يمكن ان ترتقي الى مستوى التوقعات او الكلام الصادر عن اصحابها حتى قبل اسابيع قليلة، في انتظار ما ستسفر عنه مثلاً خريطة "الشتات" ل​تيار المستقبل​ بعد قرار رئيسه النائب ​سعد الحريري​ تجميد العمل السياسي، اذ يتوقع ان تتوزع اصوات التيار على اكثر من مرشح بغض النظر الى انتمائه او الجهة الداعمة له، مع وجوب وحتمية تقدير الدور السعودي في هذا المجال، وما سيسفر عنه دخول ​بهاء الحريري​ الى الساحة في هذا المجال.

اما على صعيد الاحزاب، فلا حرج لديها في اختيار اشخاص من خارج الحزب للتحالف معهم وتبنّيهم، حتى ولو خالفت توجهات قاعدتها الشعبية من جهة، او المعتقدات والافكار التي تروج لها هذه الاحزاب، لانه في نهاية المطاف يبقى المهم الوصول الى الندوة البرلمانية ومن بعدها يكون لكل حادث حديث.

ويبدو المشهد الانتخابي حالياً مشابه تماماً للمشهد الذي ساد في العام 2018، وهذا ان دل على شيء، فعلى ان العقلية لا تزال نفسها وان التحالفات التي اجريت وستجرى هي مرحلية فقط ولا هدف بعيد المدى لها، كما انها حكماً غير معنية باجراء اي تغيير جذري لواقع الامور، فيما القوى التي تعتبر نفسها "شعبية" يسودها الضياع والتشتّت حتى انّ بعضها يرتضي مشاركة الاحزاب والتيارات السياسية في خوض الاستحقاق الانتخابي. ومن المؤكّد ان كل هذه المعطيات ستنتج مجلساً نيابياً "مستنسخ" عن الحالي، وفي احسن الاحوال يكون الخرق في عدد محدود جداً من المقاعد من غير الممكن ان تؤثر على الصورة العامة للمجلس وسياساته، وبالتالي يمكن القول وداعاً للاصلاحات المنتظرة ولمراقبة الحكومات المتعاقبة وللقيام بدور فاعل وحقيقي للمجلس يلاقي طموحات من يريد حقاً التغيير ونسف كل الاسس التي قامت عليها المنظومة السياسية منذ السبعينات وحتى اليوم.