في ظل الاجواء القاتمة التي تخيّم على ​لبنان​ منذ فترة، اتى توتر العلاقة مع ​دول الخليج​ ليضفي على هذه الاجواء المزيد من السواد، ويزيد الضغط على هذا البلد بفعل الرغبة ​السعودية​ في الضغط على ​الولايات المتحدة​ لفتح الخطوط معها في ظل عدم اكتراث ادارة الرئيس الاميركي ​جو بايدن​ في توطيد اواصر العلاقة مع ولي العهد الامير محمد بن سلمان. ولكن، بالامس، عاد بايدن واجرى اتصالاً هاتفياً بالعاهل السعودي، واللافت في الخبر الذي تم توزيعه من قبل البيت الابيض انه بعد الكلام الكلاسيكي المعتاد عن العلاقات بين البلدين ووقوف اميركا الى جانب السعودية ضد هجمات الحوثيين، احتل موضوع الحوار مع ​ايران​ حيزاً مهماً، اضافة الى "تأكيد بقاء التعاون الوثيق بين فريقي البلدين في ما خص مواضيع ​الشرق الاوسط​ واوروبا خلال الاسابيع والاشهر المقبلة". ماذا يعني هذا الامر عملياً، وخصوصاً بالنسبة الى لبنان؟.

يرى عدد من المحللين والمتابعين في المسألة بداية انفراج حقيقي للازمة اللبنانية، وارتفاع حظوظ عودة الاستقرار السياسي والعسكري والاقتصادي الى المنطقة ككل. ويشرح هؤلاء في صالوناتهم رؤيتهم الخاصة، من انه على الرغم من عدم كسر الجمود القائم بين الولايات المتحدة من جهة وولي العهد السعودي من جهة ثانية، فإن التواصل القائم مع الملك سلمان كفيل بارسال رسالة اميركية مفادها انهم لا يرغبون في التعامل مع "الملك محمد بن سلمان" بعد، وانه طالما الملك السعودي لا يزال حياً، فإن العلاقة ستكون محصورة به دون سواه، على الرغم من ان هذا الأمر لا يعني سقوط العلاقة او التخلي عنها. لا شك ان هذا الموضوع سيجعل الامير سلمان مستاء مما يحصل، وفق ما يقوله المحللون والمتابعون، ولكن في ميزان الربح والخسارة، من الافضل له الابقاء على العلاقة مع الاميركيين حية مع سواه، من ان تكون في ادنى درجاتها او شبه ميتة معه، وبالتالي سيعمد الى تسهيل الامور بدل عرقلتها، خصوصاً وان النفوذ السعودي لم يعد كما في السابق ويهمه ان يستعيده بالتزامن مع التدابير والاجراءات التي يتخذها لاجراء التغييرات اللازمة في المملكة، ومواكبة الافكار التي وضعها وتحظى بتأييد الغرب بشكل عام.

وبالتالي، يعتبر المحلّلون والمتابعون انّ الامور ستأخذ منحى اكثر ايجابية، وهو ما سينعكس فصولاً جيدة بالنسبة الى المنطقة عموماً ولبنان بطبيعة الحال، فالتقارب السعودي-الايراني يوازي بأهميّته اليوم التقارب السوري-السعودي الذي ساد في العقد الماضي من الزمن، وكان له التأثير الجيد على لبنان، ليس من باب التغيير الشامل والاصلاحي حتماً، انما من باب الاستقرار والثبات السياسي والامني والاقتصادي والمالي، وما يفيد اكثر هو ان هذا التقارب قد يأتي في ظلّ تصاعد المؤشرات حول تقارب اميركي-ايراني وشيك في فيينا، وعودة الفرنسيين الى لعب الدور الذي يريدونه في المنطقة وفي اوروبا، حيث برز تحرك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على خط نزع فتيل الحرب بين روسيا من جهة واوكرانيا والغرب من جهة ثانية. وبالتالي، يمكن وضع هذا الاتصال في خانة "مباركة" الاميركيين لواقع الحوار واعتمادهم اياه كبديل اساسي عن واقع المواجهة الاقتصادية والمالية او العسكرية لحل المشاكل التي تعترضهم في العالم، وهو من شأنه القاء جو من الهدوء وتخفيف حدة التشنج والتوتر، واذا نجحت "بروفة" اليمن، فعندها ستكون الصورة اكثر اشراقاً، والسرعة في التنفيذ ستكون ميزة مهمّة وبارزة يمكن التعويل عليها لرؤية تغييرات حقيقية في اوضاع البلدان التي تشهد توتّرات عالية ومنها لبنان.

غالباً ما يغيّر الاميركيون استراتيجياتهم وسياساتهم الخارجية، وعلى امل ان تثبت هذه المرة سياستهم هذه لفترة من الوقت، يبقى الجميع في حال ترقب لما ستحمله الاسابيع والاشهر المقبلة.