هل يمكن الجزم حالياً بأنّ ملفات الإقليم هي أولويات دولية، وسط إزدحام مسارات النزاع في العالم؟ تلوح في الافق مؤشرات تنطلق من فيينا، حيث المفاوضات النووية بين المد والجزر الغربي والإيراني، مروراً بإتصال الرئيس الأميركي جو بايدن مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ووجود مؤشرات ايجابية حول التواصل السعودي-الإيراني، وصولاً إلى زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان، ضمن مهمة ترسيم الحدود اللبنانية الجنوبية. مما يعني أنّ ملفات الإقليم عادت للتحرك مجدّداً، لكن لا توحي الأنباء الواردة من الغرب أن هناك توافقات باتت جاهزة لبت تلك الملفات في إقليم مشتعل.

تتعدّد العناوين التي تفرض نفسها اولويات في ظل هذه المعطيات:

أولاً، لم يتبلور مشروع الإتفاق الغربي-الإيراني وسط اصوات اعتراضية في الولايات المتحدة الاميركية لرفض فتح صفحة جديدة مع طهران. يبرر الرافضون كلامهم بحجة ان هناك تعباً إقتصادياً ايرانياً سيُجبر طهران على الرضوخ لاحقاً. علماً ان اصحاب هذا الرأي خُذلوا سابقاً، بعدما صمدت طهران طويلاً ولم تهرول نحو الغرب خشية الانهيار الاقتصادي الذي كان متوقعاً لها.

ثانياً، هناك مصلحة خليجية عربية بعدم اهتزاز ايران، خشية من مخاوف تنبع من إمكانية تفلّت مجموعات اسلامية متشددة، قد تطيح بما تبقى من مساحات امن في الدول العربية.

ثالثاً، ترغب الادارة الاميركية ببت ملف الحدود بين لبنان والإسرائيليين، وسط ضغوطات تل ابيب التي تستعجل اخراج الغاز من قعر البحر، لإستثماره في العقدين المقبلين، خشية من انعدام الحاجة اليه، لتقدم الطاقة البديلة المُستخرجة من الشمس والرياح. ويسود اعتقاد اميركي واسرائيلي بأن لبنان سيضطر نتيجة الضغوطات الاقتصادية الى الذهاب نحو بت الترسيم الحدودي. بجميع الاحوال، فإن التفاوض الذي تديره واشنطن تسوده ايجابية الوصول الى حلول.

رابعاً، برزت اصوات اعتراضية في واشنطن، لعدم تسهيل مد لبنان بالغاز المصري والكهرباء الاردنية، تحت عنوان: منع استفادة سوريا منها. وهو ما يعيق لغاية الان وصول الطاقة من سيناء وعمّان الى دمشق فبيروت.

خامساً، اذا كان الاميركيون يردّدون اعتراضاهم على اي تعاون دولي مع سوريا، ويمنعون تواصل عواصم عربية مع دمشق، ويضغطون لعدم عودتها الى جامعة الدول العربية، فإن السبب هو لا يتعلق بالداخل السوري، بل بسبب التحالف بين موسكو ودمشق، واعتبار اميركيين ان ارتياح الساحة السورية يصبّ في صالح روسيا.

سادساً، ان اوكرانيا تريد مهاجمة اقليم دونباس المؤلف من لوغانسك ودانتزيك، وتعيش فيه غالبية من الروس، لكن موسكو قررت اجهاض مخطط كييف، حرباً او بالدبلوماسية. لذا، سيكون الغرب مضطراً للتعاطي بواقعية ان روسيا قادرة على التفوق. وفي حال لجأ الغرب الى التعامل العسكري مع روسيا، فإن ذلك سيشكل فرصة للصين وكوريا الشمالية للتصرف في الشرق الاقصى.

سابعاً، شعر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بحجم الخطر، فسارع الى روسيا على خطى احد اسلافه نيكولا ساركوزي الذي لجأ في اب 2008 الى فلاديمير بوتين، من اجل البحث عن تسوية او تحييد اوروبا عن النزال.

كل ذلك يوحي ان لبنان والاقليم يعيش وسط عالم مربك، مما يعني ان مزيدا من الازمات وخصوصاً الاقتصادية ستصيب ساحاتنا، في ظل غياب الحلول.