ماذا يجري بين إسرائيل و"​حزب الله​" هذه الأيّام، وما هي خلفيّة المعارك والهجمات والقصف وعمليّات التسلّل التي جرى تنفيذها، وهل ما حصل يُمهّد لحرب وشيكة بين الطرفين؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه خلال الأيّام القليلة الماضية، أجرى ​الجيش الإسرائيلي​ مُناورات عسكريّة حاكت "سيناريو" معارك مع "حزب الله" على الجبهة الشماليّة، وتضمّنت التدرّب على مُواجهة عمليّات تسلّل من ​الجنوب​ اللبناني في إتجاه المُستعمرات الإسرائيليّة، وصدّ هَجمات مُفاجئة وعمليّات تسلّل لعناصر من وحدة "الرضوان" العالية التدريب والتجهيز في "الحزب"، وشنّ هجمات في عمق القرى والبلدات اللبنانيّة خلف مواقع "الحزب" الأماميّة(1). في المُقابل، وقبل بضعة أسابيع، أجرى "حزب الله" بدوره مُناورة واسعة، تضمّنت التعامل بالشكل المُناسب مع هُجوم إسرائيلي مُفاجئ في الجنوب، وكذلك مُباغتة الجيش الإسرائيلي بهجوم من قبل عناصر "الحزب" في إتجاه قرى وبلدات الجليل الحُدوديّة، بدعم من المُسيّرات. وشملت التدريبات التصدّي للطائرات الحربيّة الإسرائيليّة بدفاعات أرض–جوّ مُتطوّرة، بالتزامن مع القيام بتنفيذ هجمات بصواريخ من مُختلف الأحجام، مُتوسّطة وبعيدة المدى، قسم كبير منها يُصنّف دقيقًا. وقد إستكملت هذه المُناورة الرئيسة والتي تُحاكي مُواجهة كبرى مع الإسرائيليّين، بسلسلة من التدريبات والمُناورات الصغيرة المُتفرّقة، منها تضمّن تدريبات قتاليّة على الثلج في ظروف مناخيّة باردة، إلخ.

إشارة إلى أنّ هذه المُناورات العسكريّة المُتبادلة، أو "المعارك الوهميّة"-إذا جاز التعبير، ليست بجديدة، ويقوم بها كلّ من الطرفين بشكل دوريّ، وتحديدًا كل بضعة أشهر. وهي تدخل في سياق توجيه رسائل إلى الداخل تشمل رفع المَعنويات، وتوجيه رسائل إلى الخارج ترمي إلى التخويف والترهيب. أمّا التحضيرات الفعليّة للمعركة من قبل الطرفين، فهي تجري في مكان آخر، حيث يقوم "حزب الله" بتطوير قُدراته الدفاعيّة ضُدّ الطائرات المُغيرة، لأنّ من شأن إمتلاكه شبكة دفاع أرض-جوّ مُتطوّرة، أن يُفقد إسرائيل تفوّقها الجويّ الحاسم. ويقوم "الحزب" أيضًا بتطوير صواريخه، بهدف جعل أكبر عدد ممكن منها دقيقًا، بالتزامن مع تطوير المُسيّرات وتحميلها بالمُتفجّرات، بهدف شنّ هجمات من الجوّ على مواقع وأهداف تتجاوز الحدود إلى الداخل الإسرائيلي.

في المُقابل، التحضير الفعلي للمعركة من قبل الجيش الإسرائيلي الذي كان قد شارك مطلع شهر شباط في مُناورة بحريّة-جويّة ضخمة، من تنظيم القيادة الوسطى في ​الجيش الأميركي​، شأنه شأنه العديد من الدُول العربيّة والإسلاميّة(2)، يتركّز حاليًا على تطوير أنظمة دفاع جويّ أكثر فعاليّة من أيّ وقت مضى.

تذكير أنّ إسرائيل كانت أدخلت في منتصف العام 2011، نظامًا للدفاع الجوي بإسم "القبة الحديديّة"، يشمل قاذفات صواريخ ثابتة ومُتحرّكة، مَدعومة بشبكة راداريّة، بهدف كشف الصواريخ وإعتراضها وتفجيرها في الجوّ قبل وُصولها إلى أهدافها. وقد أثبت هذا النظام فعاليّة كبيرة، لكنّ الجماعات المُناهضة لإسرائيل كشفت الثغرة التي فيه، والتي تتمثّل في عدم قُدرته على إعتراض رشقة كبيرة من الصواريخ دفعة واحدة. وبالتالي، من المُلاحظ أنّه في كل مُواجهة جديدة، تعمد الجماعات "المُمَانعة"، إلى إطلاق مجموعة كبيرة من الصواريخ دفعة واحدة، بحيث يصل أكثر من صاروخ إلى هدفه، حتى لوّ جرى إعتراض العديد من الصواريخ الأخرى. ولمُعالجة هذه الثغرة، تعمل إسرائيل حاليًا على تسريع تطوير أنظمة دفاع جويّة تعمل بتقنيّة اللايزر، تتميّز عن نظام "القبة الحديديّة" التقليديّة، بُقدرتها على إعتراض عشرات الصواريخ دُفعة واحدة، علمًا أنّ الأنظمة الدفاعيّة التي تعمل بأشعّة اللايزر أقلّ كلفة بكثير من تلك التقليديّة التي تستخدم صواريخ إعتراضيّة باهظة الثمن لتفجير الصواريخ المُهاجمة في الجوّ. وأنظمة الدفاع الجوّي بأشعّة اللايزر قادرة على إعتراض المُسيّرات، وليس فقط الصواريخ، وهي تستخدم وَمضَات كهربائيّة بالغة الدقة وعالية السرعة، لتفجير الأهداف المُهاجمة في الجوّ، مع الإشارة إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يُؤكّد أنّ هذه الأنظمة ستكون جاهزة للدُخول في الخدمة الفعليّة، إعتبارًا من العام 2025 المُقبل، بينما يتحدّث بعض القادة السياسيّين في إسرائيل، عن فترة زمنيّة أقصر لتشغيل هذه الأنظمة الدفاعيّة المُتطوّرة.

في الختام، الهدوء هو سيّد الموقف بين إسرائيل و"حزب الله" منذ 15 سنة، مع تسجيل بعض المُناوشات المَحدودة في الزمان والمكان بين الطرفين طوال هذه الفترة الطويلة. ولا يبدو في الأفق أنّ المعارك الوهميّة الحاليّة، ستتحوّل إلى معارك ميدانيّة فعليّة وجديّة في المُستقبل القريب. والمُفارقة أنه في حال نجحت إسرائيل فعلاً في تطوير نظام إعتراض الصواريخ بأشعّة اللايزر، قد تُصبح كل الصواريخ المُخبّأة في المخازن في إنتظار ساعة الصفر، غير مُجديّة، إن لم يكن كليًا، فبالتأكيد جزئيًا وبنسبة كبيرة!.

(1) شارك في هذه المُناورات التي إمتدّت على مدى أسبوع كامل عناصر من كتيبة المظليّين 890 التابعة للجيش الإسرائيلي، وتضمّنت مُحاكاة لتدخّل سلاح الجوّ، ولمُشاركة وحدات بريّة مُدرّعة مَدعومة بأفواج من الدبّابات، إلخ.

(2) شارك في هذه المُناورة نحو 60 دولة، منها دول عربيّة، مثل مصر والأردن والمغرب واليمن والبحرين والإمارات والسُعوديّة، ومنها دول إسلاميّة، مثل باكستان وبنغلادش، إلخ.