في الوقت الذي من المفترض فيه أن تركز مختلف القوى السياسية على ملف ​الإنتخابات النيابية​، المقررة في الخامس عشر من أيار المقبل، فتحت في الأيام الماضية مجموعة من الملفات الخلافية التي قد تقود إلى أزمة من العيار الثقيل في البلاد، لا سيما أن بعضها يتخذ طابعاً طائفياً أو مذهبياً.

ضمن هذا السياق، يمكن النظر إلى السجالات التي رافقت كل من ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وملاحقة حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ من قبل المدعية العامة في جبل لبنان القاضية ​غادة عون​، لكن الأخطر يبقى هو في التداعيات التي وصلت إلى الإدّعاء على المدير العام لقوى الأمن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​، الأمر الذي أدى إلى إستنفار العديد من الفعاليات السياسية داخل ​الطائفة السنية​.

في الفترة الماضية، كان الجميع يؤكّد على عدم القدرة على المس في الحكومة الحالية، بالرغم من العقبات التي واجهتها، بسبب وجود ضمانات أو تعهدات تمنعها من الذهاب إلى الإستقالة قبل موعد الإنتخابات النيابية، إلا أن لدى مصادر سياسية مطلعة مخاوف من تكرار سيناريو إستقالة حكومة ​نجيب ميقاتي​ الثانية في العام 2013، خصوصاً أن المعطيات نفسها تتكرر اليوم.

في هذا السّياق، تذكر المصادر نفسها بأن إستقالة ميقاتي، في ذلك الوقت، كانت بسبب ملفين أساسيين: الأول هو عدم تعيين هيئة الإشراف على الإنتخابات النيابية، حيث كان رئيس الحكومة يؤكد على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها مهما كانت الظروف، أما الثاني فهو عدم السير في التمديد للمدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء ​أشرف ريفي​، بسبب الخلافات السياسية حول هذا الملف.

وفي حين تشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن المخاوف من المسّ بالإستحقاق الإنتخابي لم تنتهِ، في ظلّ المساعي القائمة لإدخال تعديلات على القانون القائم، سواء كان ذلك من خلال إعادة البحث في الدائرة 16 المتعلقة بتصويت المغتربين، أو من خلال عودة طرح "الميغاسنتر" إلى الواجهة، توضح أن ما حصل في الأيّام الماضية، بالنسبة إلى الإدعاء على اللواء عثمان، قد يكون هو التهديد الأبرز لحكومة ميقاتي.

في هذا الإطار، تتوقف المصادر المطلعة عند المواقف التي أطلقها رئيس الحكومة، خلال إتصاله مع رئيسة كتلة "المستقبل" النائبة بهية الحريري أول من أمس، حيث أكد عزمه على "متابعة الموضوع شخصياً مع وزير العدل ومدعي عام التمييز لوقف هذا التمادي بالاعتداء على مؤسسات الدولة وهيبتها وكرامات القيمين عليها"، مشدداً على أنه يرفض "تصرفات القاضية غادة عون" وادعاءها على اللواء عثمان بوصفه "محض افتراء".

وتلفت المصادر نفسها إلى أنّ ميقاتي لا يمكن له أن يتساهل في هذا الملف، نظراً إلى التداعيات الشعبية التي من الممكن أن تترتب من جراء ذلك، خصوصاً في ظل المزايدة التي تحصل من قبل العديد من الجهات الفاعلة داخل الطائفة السنية، أبرزها تيار "المستقبل" الذي على ما يبدو قرر تخطي قرار "الإعتزال" المعلن لخوض هذه المعركة.

وبينما تلفت المصادر نفسها إلى أن "المستقبل" كان قد بدأ المواجهة من خلال حملة الدفاع عن حاكم مصرف لبنان، قبل أن يتحرك لرسم الخطوط الحمراء حول مدير عام قوى الأمن الداخلي، تشير إلى أن هذا الأمر من الممكن أن يكون له تداعيات على مصير الإنتخابات النيابية، في ظل الإختلاف في الإجتهادات حول ما إذا كان من الممكن أن تتولى حكومة تصريف أعمال الإشراف على الإستحقاق.

في المحصّلة، هي المعطيات نفسها تتكرر بين العام 2013 والعام 2022، لكن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بقدرة رئيس الحكومة على الذهاب إلى السيناريو نفسه، خصوصاً أن هناك من يعتبر أن هذا الأمر يصب في مصلحة "التيار الوطني الحر"، إلا أن الأكيد هو أن ميقاتي لا يستطيع أن يتحمل أي مس بحاكم مصرف لبنان أو المدير العام لقوى الأمن الداخلي، لا سيما أن الفريق الأول داخل الطائفة السنية قرر حمايتهما.