منذ قرار رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ العزوف عن المشاركة في ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة، طُرحت الكثير من الأسئلة حول تداعيات هذا الأمر على واقع الساحة السنية، لا سيما أنها لا تقتصر على دائرة واحدة بل تشمل مجموعة كبيرة من الدوائر الانتخابية.

بعد ذكرى الرابع عشر من شباط، تبين أن الحريري ليس في وارد التراجع عن قراره، خصوصاً أن تيار "المستقبل" ذهب سريعاً إلى تحديد الإجراءات التنظيمية التي من الواجب أن يتبعها من يريد الترشح من أبنائه، ما يعني أن هذه الصفحة بالنسبة إليه طويت بشكل رسمي، وبالتالي من المفترض أن يبدأ البحث في كيفية التعامل مع هذا الإستحقاق بشكل آخر.

على هذا الصعيد، لا ينبغي تجاهل بعض المعطيات الأساسية، أبرزها أن قرار رئيس الحكومة السابق جاء بعد قرار مماثل من جانب رئيس الحكومة السابق تمام سلام، في حين أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعلن أن توجهه، حتى الآن، هو عدم الترشح الشخصي، بالرغم من أنه ألمح إلى أنه قد يذهب إلى دعم لائحة في دائرة طرابلس-المنية-الضنية، التي كانت الإنتخابات الماضية قد كرسته الرقم الأول فيها.

بالإضافة إلى ذلك، كان من الواضح أن هناك جهات كثيرة، من خارج الطائفة، التي تبدي حماسة نحو ملء الفراغ الذي سيحدثه غياب "المستقبل"، بالرغم من أن العديد من نواب الكتلة الحاليين قرروا خوض المعركة الإنتخابية المقبلة كمستقلين، في حين أن البعض الآخر منهم لا يزال يدرس خياراته قبل أن يحسم قراره بشكل نهائي، لكن الأساس يبقى غياب الجهة التي تستطيع أن تجمع هؤلاء ضمن مشروع واحد، خصوصاً في المرحلة التي تلي الإستحقاق الإنتخابي.

في هذا السياق، تفيد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، بأن الأمور لن تبقى على حالها في الأسابيع المقبلة، حيث من المتوقع أن تبدأ بالظهور معالم دور من المفترض أن تقوم به ​دار الفتوى​، بالتعاون مع نادي رؤساء الحكومات السابقين، على قاعدة عدم ترك الساحة في حالة فراغ، في ظل المخاوف التي بدأت تظهر من إمكانيّة أن يقود موقف "المستقبل" الحالي إلى موجة واسعة من المقاطعة السنّية، الأمر الذي من المفترض أن يتظهّر بشكل أساسي في مرحلة تشكيل اللوائح، خصوصاً في دائرة بيروت الثانية.

وتشير هذه المصادر إلى أن دار الفتوى ستحرص على ألاّ تظهر في موقع المنحاز إلى جانب فريق معين على حساب باقي الأفرقاء داخل الطائفة، لا سيما أنها تدرك جيداً أن هذه الإنتخابات ستفتح الباب أمام إمكانية عودة شخصيات مناطقية، لا تدور في فلك "المستقبل" أو كانت في السنوات الماضية على خصومة معه، لكن الأساس هو الحدّ من التداعيات التي من الممكن أن تترتب على دور الطائفة في الحياة السياسية في الفترة المقبلة، لا سيما أن البلاد قد تكون أمام مرحلة مفصلية.

من وجهة نظر المصادر نفسها، أساس نجاح دار الفتوى في هذا الدور يكمن في عدم ذهابها إلى مواقف تقود إلى إنقسام جديد داخل الطائفة، لا سيما أن هناك من قد يسعى إلى جرّها إلى هذا الموقع، إلا أنّها تشدد على أن مفتي الجمهورية ​الشيخ عبد اللطيف دريان​ لن يذهب إلى هذا المكان، نظراً إلى أن تداعياته قد تكون أكبر من ترك الأمور من دون أيّ تدخل من جانب الدار، وتضيف: "المسؤوليّة كبيرة على المفتي دريان، الذي سيكون عليه ربما تحديد الخطوط العريضة من دون الدخول في التفاصيل التي تقود إلى الشرخ".

في المحصّلة، مع بدء العدّ التنازلي للإستحقاق الإنتخابي ستكون كل الأنظار متجهة إلى ما ستفرزه الساحة السنية من تطورات، الأمر الذي من المفترض أن يتضح خلال وقت قصير، لكن الأكيد أن دار الفتوى لن تبقى في موقع المتفرج، في ظل غياب التيار السياسي الأساس في الطائفة عن المشهد الإنتخابي.