يعاني دبلوماسيون عسكريون أميركيون يعملون في ​أوروبا​، ما يصفونه بظروف عمل سامّة، تشمل تجسّس زملاء على بعضهم بعضاً، وتقويض بعضهم بعضاً، من خلال كشف معلومات قد تكون مهينة، ومضايقة زميلات، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال​".

وأشارت الصحيفة، إلى تفاصيل مزاعم بشأن ظروف العمل في قسم تابع لـ"وكالة استخبارات الدفاع"، التابعة ل​وزارة الدفاع الأميركية​ (بنتاغون)، في نحو 30 شهادة وشكوى للمفتش العام، قُدّمت للجنتَي الاستخبارات بمجلسَي النواب والشيوخ ب​الكونغرس​، إضافة إلى استطلاع عن الظروف السائدة في مكان العمل، أبرز المشكلات التي يعاني منها القسم.

وذكرت الصحيفة، أن جمع الشهادات تم بواسطة راين سويزي، وهو مقدّم في سلاح الجوّ حاز أوسمة وتقاعد هذا الشهر، يصف نفسه بأنه مُبلّغ عن المخالفات في "جهاز الملحق الدفاعي"، التابع لـ"وكالة استخبارات الدفاع"، والذي يتواصل مع الجيوش الأجنبية في الخارج.

وحذر سويزي من أن "الثقافة السامّة في وكالة استخبارات الدفاع تشكّل تهديداً للأمن القومي"، منبّهاً إلى أن تصرّفات الوكالة "تنفّر أفراد استخباراتنا وتحرمهم من حقوقهم، فيما تعطّل عمليات وتقوّضها".

وأشار إلى أنه بات هدفاً لانتقام، بعدما أثار مخاوف بشأن مكان العمل، من خلال التسلسل القيادي، علماً أن المبلّغ عن مخالفات في أجهزة الاستخبارات يُفترض أن يكون محمياً من الانتقام نتيجة تقديمه شكاوى مشابهة، بحسب "وول ستريت جورنال".

وقدّم سويزي شكاوى للمفتش العام لـ"وكالة استخبارات الدفاع"، قبل أن يجمع بنفسه أقوال الشهود ويقدّمها لأعضاء الكونغرس الصيف الماضي، بعدما لمس مماطلة بشأن تلك التحقيقات.

وطالت المفتش العام في "وكالة استخبارات الدفاع" مزاعم سابقة، من موظفين اتهموا قيادته بالتقليل من أهمية تقارير بشأن مشكلات تعاني منها، وعرقلة تحقيقات في شكاوى بهذا الصدد.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤول بوزارة الدفاع أن مجلساً لمفتشين عامين راجع تلك الشكاوى وأغلق القضية من دون الإشارة إلى مسائل مرتبطة بدور المفتش العام في الوكالة، أو أدائه.

وشددت الوكالة على أنها "لا تتسامح إطلاقاً" مع انتهاك المعايير المهنية، لكنها لم تردّ على أسئلة مفصّلة بشأن مزاعم سويزي وآخرين.

وأضافت الوكالة: "لدى مكتب المفتش العام بوكالة استخبارات الدفاع سجل عريق في إتاحة رقابة مستقلة وفعالة، واتباعه ممارسات استقصائية صارمة على برامج الحكومة الفيدرالية وعملياتها، دعماً لوكالة استخبارات الدفاع".

الشهادات التي قدّمها سويزي للكونغرس تتضمّن مزاعم بأن زميلاً في مكتب الملحق الدفاعي بروما، كان يبلغ رؤساءه سراً، معلومات سلبية عن أداء زملائه.

وأضافت أن هذه الممارسة جعلت مديرين في أوروبا الغربية يعادون مرؤوسيهم، ما أوجد جواً سلبياً في العمل وعطّل جهودهم لجمع معلومات استخباراتية.

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن "جهاز الملحق الدفاعي" موجود في نحو 140 دولة ويخضع لقيادة "وكالة استخبارات الدفاع"، التي تُعتبر الذراع الاستخباراتية للبنتاغون.

ويُعرف أفراد الجهاز بأنهم جامعون علنيون للمعلومات الاستخباراتية، ما يعني أنهم يعملون بشكل علني، وليس سراً. ويراقب هؤلاء التدريبات العسكرية ويتتبعون مبيعات الأسلحة وكذلك المنشآت العسكرية.

وذكر شهود في إفاداتهم أن ظروف العمل السامّة عرقلت جهودهم لأداء واجباتهم. ووَرَدَ في شهادة ضابط في البحرية، قُدّمت إلى الكونغرس: "بصفتي ملحقاً دفاعياً في سفارة أميركية ببلد أجنبي، يجب ألا أقضي جزءاً كبيراً من وقتي قلقاً من شخص شائن من وكالة استخبارات الدفاع. ثمة تهديدات خارجية أخرى كثيرة يجب أن أقلق بشأنها".

وأضاف أن مديرة حضّته على النأي عن زملاء يُعتبرون من مسبّبي المتاعب، وأن يقدّم تقاريره إليها، إذا لزم الأمر.

وأشار ضابط آخر في البحرية إلى كشف وضع طبي خاص عانى منه، واستُخدم ضده. وكتب في شهادته إلى الكونغرس: "لا شكّ في تأثير (ذلك) على الأمن القومي. لا يمكن لأعضاء قسم الملحقين أداء واجباتهم خشية استدعائهم تعسفياً، أو السخرية منهم نتيجة المجهود (الذي يبذلونه) أو تهديدهم بتقييم أداء ضعيف".

وأشار إلى تجميد مهمته ملحقاً في أوروبا بشكل مبكّر، وتعرّضه لانتقام نتيجة مخالفته لثقافة تمنع اتخاذ المبادرة، إذ تمّ ثنيه عن إعداد تقارير استخباراتية كثيرة. وتابع: "كان هناك تباين بين حماسي وفهم آخرين لأدوارهم ومسؤولياتهم".

وذكر أنه قدّم قبل سنتين شكوى للمفتش العام الذي أبلغه هذا الشهر أنه خلص إلى عدم وجود أدلة كافية على أنه كان ضحية لانتقام.

وأظهر استطلاع استقصائي للقوى العاملة بـ"جهاز الملحق الدفاعي"، في أيلول 2020، أن نحو نصف 79 مشاركاً قالوا إنهم شهدوا سلوكاً عدائياً في مكان العمل، بما في ذلك ترهيب ومضايقة وبلطجة.

كما أن نحو 30% من المستطلعين أشاروا إلى تعرّضهم بشكل مباشر لتمييز عنصري أو جنسي أو أشكال أخرى من التمييز.

"وكالة استخبارات الدفاع" لفتت إلى أنها "منظمة استخبارات مهنية تعمل في الخارج، مع قوة عاملة تلقت تدريباً عالياً"، مشددة على أنها "لا تتسامح إطلاقاً مع انتهاكات متعمدة للمعايير المهنية".

وتابعت: "سنردّ بالشكل المناسب على أي مزاعم ذات صدقية بشأن سوء سلوك، أو إساءة، أو نشاطات تتعارض مع قيمنا الجوهرية".

ووجّه مدير "جهاز الملحق الدفاعي"، مايكل بوخنا، رسالة إلكترونية إلى موظفيه في تشرين الثاني 2020، بعد استكمال الاستطلاع، متعهداً بمعالجة المخاوف التي أثارها.

واعتبر أن "إحدى الرسائل الكبيرة التي وجّهها الاستطلاع" تتمثل في "موظفين يشعرون بالإرهاق وعدم التقدير"، لافتاً إلى أن النتائج تتيح "فرصة لإبلاغ القيادة بوسائل يمكننا من خلالها إشراك القوى العاملة وتحسينها واستعادتها".

وذكر مسؤولون بلجنتَي الاستخبارات بمجلسَي النواب والشيوخ، أن اللجنتين تدركان المخاوف المتصلة بظروف العمل في "جهاز الملحق الدفاعي"، وتدرسانها.

وفي نسختها من مشروع قانون التفويض الاستخباراتي السنوي، أبلغت لجنة الاستخبارات بمجلس النواب "وكالة استخبارات الدفاع" بتزويدها بملخّصات عن استطلاعات مستقبلية لوضع القوى العاملة، إضافة إلى بيانات بشأن عدد الموظفين الذين يسعون للحصول على مساعدة بشأن ما يعتبرونه بيئة عمل سلبية.

التقارير الواردة في إفادات الشهود أمام الكونغرس، تراوحت بين انتقام وتحرّش جنسي. وكتب مقدّم ب​الجيش الأميركي​ في إفادة بشأن تجربته في "المدرسة المشتركة للملحق العسكري"، التي تدرّب الملحقين، في عام 2016. فبعدما انتقد جوانب من الدورة، اتهم أعضاء في هيئة التدريس زوجته زوراً بإدارة مدوّنة سياسية، في ما اعتبره محاولة لجعله غير مؤهل للخدمة في الخارج.

وكتب في شهادة: "استُهدفت بسبب تعليقات أُدلي بها في استطلاع يُفترض أنه لا يكشف هويات المشاركين فيه. كانت هذه المزاعم كاذبة بشكل واضح".

وأشار سويزي إلى أنه كان ضحية لعمليتَي انتقام أثناء عمله مساعداً للملحق الدفاعي بالسفارة الأميركية بروما، بعدما أثار مخاوف بشأن مكان العمل.

وشمل ذلك تلقي مراجعة وصفت أداءه بأنه ضعيف، وشطب اسمه من لائحة المرشحين لمنصب في ألمانيا.

وقدّم سويزي شكوى إلى مفتش "وكالة استخبارات الدفاع"، توضح بالتفصيل 8 حالات من الفساد والانتقام وانتهاكات أخرى للسلطة، في آب 2020. وإذ لم يتلقَ رداً خلال سنة، اتصل بمدير الجهاز وأعضاء لجنتَي الاستخبارات في مجلسَي النواب والشيوخ.

وكتب في رسالة إلكترونية إلى رئيس الوكالة، الجنرال سكوت بيرييه، في تموز 2021، أن السمّية في مكان العمل هي "سرطان يهدد بشكل مباشر الأمن القومي" للولايات المتحدة.

في تشرين الثاني 2021، أغلق المفتش العام التحقيق في شكاوى سويزي، بعد 444 يوماً، وخلص إلى أن لا أساس لمزاعمه. واعتبر أن مراجعات الأداء السلبية أو التعيينات الملغاة، لا تشكّل دليلاً واضحاً على انتقام من سويزي.