يعتبر لبنان بلداً مستورداً للمواد الغذائيّة ومختلف الأصناف ولم يصل بعد الى حدّ أن يكون بلداً منتجاً. من هنا أغلب الأشياء نأتي بها من الخارج، كذلك هناك إرتفاع سعر صرف الدولار الذي أثّر بدوره على ارتفاع الأسعار بشكل جنوني. هذا كلّه جيّد لكن الحقيقة أن التجار والمستوردين وأصحاب السوبرماركت يستفيدون من "المعمومة" القائمة ليستفيدوا بأقصى طاقاتهم ويحصّلوا أرباحاً خيالية، في وقت أن وزارة الإقتصاد تقوم بجولات،بينما الواقع أن الأهداف التي وضعتها هي الدكاكين الصغيرة وبعض المحلات متناسيةً السوبرماركت الكبيرة.

منذ حوالي الشهر تقريباً يستقرّ الدولار على سعر وسطي يتراوح ما بين 20 و21 ألف ليرة، بعد أن كان في وقت سابق قد تجاوز حدود 33 ألف ليرة، مع العلم أن انخفاض الدولار لم يكن بشكل بطيء وعلى مدّة طويلة... المحال التجاريّة والسوبرماركت تذرّعت بعدم اعادة تخفيض الأسعار في وقتها بحجة "خلينا نشوف شو بدو يصير بالدولار".

بعد الجولات التي قام بها مراقبو وزارة الاقتصاد وطلب وزير الاقتصاد أمين سلام من المؤسّسات التجارية تسليم لائحة بالأسعار ابتداء من الاثنين 14 شباط، كان يفترض بالأمور أن تكون مختلفة عمّا هي عليه حالياً في السوبرماركت، التي لا تزال تضع أسعاراً خيالية، وهي متيّقنة أن أحداً لم ولن يمسّ بها.

"النشرة" في مقال نشرته الاسبوع الماضي: "فضيحة الأسعار في السوبرماركت: 50 الف ليرة فارق بـ"مرطبان" الطحينة"، توقّعت أن تتحرّك وزارة الاقتصاد وأن تصحّح المخالفات التي تحدث، إن كانت فعلاً حريصة على استقرار العمل، خصوصاً وأن تواصلاً حصل معها،وقمنا بتزويدها بأسماء السوبرماركت التي جلنا في أرجائها، حيث كان الجواب بأن "عدد المراقبين قليل وهم يقومون بأقصى جهد لضبط الموضوع"، مكتفين بالقول: "طلبنا يزودونا بلوائح الأسعار خلينا ننتظر ونشوف".

هذا الأسبوع عاودنا الجولة نفسها وعلى الأماكن التي قصدناها، اضافة إلى عدد من كارتيلات السوبرماركت الأخرى الكبرى، ولأننا لم نجد أي فارق في الاسعار اضطُرنا هذا الامر الى التسمية. والسؤال لماذا السوبرماركت "الرمّال" على طريق صيدا القديمة، زيت سليم بحجم 4 ليتر بلغ 177950 ليرة، في حين أن سعره في سوبرماركت "فهد" في فرن الشباك كان الاسبوع الماضي سعره 198995 ليرة، أي بفارق 21 الف ليرة، في حين أن سعره في سوبرماركت "شاركوتييه" جسر الباشاحالياً 210 آلاف ليرة، أي بفارق 32 الف ليرة... فما تبرير الوزارة للفارق بين الرمّال و"شاركوتييه" على وجود 32 الف ليرة في الزيت من الصنف ذاته؟.

أبعد من ذلك علبة سمك "الطون" نفسها، إنتاج شركة Monarch في سوبرماركت "الرمال" سعرها 25950 ليرة، بينما لدى"فهد" فرن الشباك سعرها 38895 الف ليرة لبنانية... أي أن الفارق 13 الف ليرة في العلبة الواحدة حتى اليوم.

في الطحينة، سعر طحينة اليمن الاساسي (الوزن 400 غ) بلغ سعرها 46950 ليرة عند "الرمال"، بينما عند"فهد" ضرب بخارها في النصب 96 الف ليرة (نفس النوعية والوزن). هذا الفارق كان الاسبوع الماضي ولا يزال حتى اليوم أيّ لم يتغيّر أيّ شيء رغم أن الوزارة المعنيّة على علم بالموضوع وقد زُوِّدت بالمعلومات... والسؤال لها "لماذا الفارق 50 الف ليرة بين فهد والرمال في مجمع الطحينة؟.

هذه عيّنة لا تزال موجودة حتى اليوم، رغم أن الوزارة تعرف تماماً أنها لو أرادت أن تضرب بيدّ من حديد لاستطاعت، فلماذا تذهب إلى الدكاكين الصغيرة، في حين أن هذه السوبرماركت موجودة وتشرّع أبوابها للناس وتضاعف أرباحها بشكل كبير. والسؤال الأبعد الذي نطرحه "إذا كان وزير الاقتصاد طالب أصحاب السوبرماركت والمحال التجارية تزويده بلوائح الأسعار وهم التزموا، فهذا يعني أنه بات على يقين بوجود فارقٍ كبيرٍ في الأسعار بين سوبرماركت والأخرى، فكيف يبرّر هذا الأمر"؟.

لا يا معالي الوزير... إذا أردت فعلاً أن تقف بجانب الناس فعليك أولاً أن تبدأ من أعلى الهرم، فلا يكفي زيارة "الدكاكين الصغيرة" وبعض المحلاّت والحديث عن تسطير محاضر ضبط لتصطلح الأمور... في وقت لا تزال الأسعار على ما هي عليه. فالسوبرماكت تستنزف الناس بغلائها الفاحشبالاسعار وتحقق أرباحاً خيالية تسرقها من جيب المواطن، خصوصًا أننا على أبواب مدخل الصوم لدى المسيحيين الّذين يتبعون التقويم الغربي والشرقي، يليه بعد أكثر من شهر الصوم لدى الطوائف الاسلاميّة في رمضان... هل يعقل أن يدخل اللبنانيّون بطوائفهم كافة أشهر الخير، في زمنٍ يتهرّب فيه المسؤولون من القيام بواجباتهم ويتقاعسوا عن المساءلة والمحاسبة؟! فليتذكّر هؤلاء أنّهم على أبواب الانتخابات بوجود عمليّات سرقة منظّمة إلا اذا كان "حراميها حاميها"؟!.