لم يتأخر تيار "المستقبل" بالرد على المؤتمر الصحافي لرئيس الحكومة الأسبق ​فؤاد السنيورة​، رغم أن الأخير هاجم ​حزب الله​ وسلاحه ولم يتطرق نهائياً للمستقبل وتياره، إلا أن المعركة الخفية التي تدور في أروقة ​الطائفة السنية​ بين الراغبين بالحصول على لقب "الزعيم" بدأت تطفو على السطح كلما اقتربنا أكثر من تاريخ 15 آذار، وهو تاريخ إقفال باب الترشيحات للإنتخابات النيابية المقبلة.

على الرغم من أن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ لم يدع إلى مقاطعة ​الإنتخابات النيابية​ المقبلة، لا بل ترك بنفسه حرية القرار لنواب كتلته الذين يتمتعون بحيثيات مناطقية، بات من الواضح أن تيار "المستقبل" لديه حساسية زائدة تجاه أيّ شخصيّة تسعى إلى الدخول على خط المشاركة في الإستحقاق الانتخابي، وهو ما كان واضحاً بعد المؤتمر الصحافي الأخير للسنيورة، بالرغم من أنه لم يعلن ترشّحه.

في هذا السياق، ترى مصادر سياسية متابعة أن أساس مشكلة "المستقبل" هي مع السنيورة، الذي كان يرغب بقيادة المرحلة المقبلة حتى منذ ما قبل إعلان سعد الحريري موقفه النهائي، بالرغم من نفي الجانبين لذلك، والسبب يكمن بأن الحريري لا يريد أن تظهر مؤشرات تدل على أن الأمور من الممكن أن تسير بشكل طبيعي في غيابه، على قاعدة أن زعامته السنية صفحة طويت في الحياة السياسية اللبنانية، وتشير إلى أن هذه الزعامة لا يمكن أن تتأثر إلا بوجود شخصية سنية قادرة على أن تشكل حاضنة وطنية لا مناطقية.

من هذا المنطلق، تُفسر هذه المصادر ردّة الفعل على دعوة السنيورة أبناء الطائفة إلى المشاركة في الإستحقاق الإنتخابي، ترشيحاً وإقتراعاً، نظراً إلى أنها قد تمثل الخطوة الأخطر على الحريري في المرحلة المقبلة، نظراً إلى أن الأول، بالرغم من أنه لا يمتلك تياراً شعبياً أو ماكينة إنتخابية، لديه القدرة على التأثير في القواعد الشعبية، التي تُصنفه، منذ العام 2006، على أساس أنه من الشخصيات القادرة على المواجهة.

من وجهة نظر هذه المصادر، الحريري يفضل، في حال حصول الإنتخابات، ألاّ يخرج أي مقعد نيابي من دائرة نواب كتلته الراغبين في الترشح، لا سيما من يعلن من هؤلاء أنه لن يخرج عن زعامته، وبعضهم بدأ إعلان ذلك في الجلسات الداخليّة المغلقة، أما بالنسبة إلى المقاعد الأخرى فلا يمانع أن تذهب إلى قوى الثامن من آذار بدل أن يظفر بها من يسعى لخلق زعامة جديدة في الطائفة السنّية، نظراً إلى أنّ ذلك يخدمه أكثر، على قاعدة أن المستفيد من غيابه هو المشروع الآخر، وبالتالي ليس هناك من هو قادر على تعبئة الفراغ.

يتعامل الحريري مع الانتخابات المقبلة على أنها مفصليّة في تاريخه لا في التاريخ اللبناني وحسب، لأنّ انتظام الشارع السنّي في غيابه يعني أن لا داعي لوجوده، وبالتالي إقفال صفحة سعد الحريري الى ما لا نهاية، وربما هذا ما يدركه السنيورة الذي بدأ يتحرك على أكثر من صعيد لتحقيق الحلم القديم بقيادة الطائفة في لبنان. حلم لا يبدو أنه سيتحقق.