توقف العديد من المحللين والمتابعين عند البيان الصادر عن وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب في ما خص الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا، وما حمله من مضمون يستشف منه بأنه متحيّز لاوكرانيا على حساب روسيا.

اثار البيان ردود فعل متفاوتة بين مؤيد ومعارض، وجذب اليه معضلة جديدة تتعلق بمواقف كل من رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، ودارت "حرب" المصادر التي تبرئ حيناً الرجلين من مضمون البيان، وتتهمهما بالموافقة عليه وتأييده حيناً آخر. واللافت بالامس كان كلام بو حبيب من ان البيان لم يكن " من يدياته" بل حاز على موافقة وتهنئة عون وميقاتي. في كل الاحوال، لم يقنع البيان لا بالشكل ولا بالمضمون اللبنانيين، فهو من حيث الشكل اتى بطريقة غير مبررة ووضع لبنان بطريقة مجانيّة طرفاً في حرب دائرة بعيدة عن ارضه ولا علاقة له بها من قريب او بعيد، اما من حيث المضمون فهو يفتح سجالاً مع روسيا هو بغنى عنه حالياً، ولا يمكنه ان يخرج منه منتصراً لاسباب عدة.

ولدى سؤال مصادر بالغة الاطلاع على حيثية هذا البيان وتداعياته، جزمت بأن البيان صيغ بأسلوب اميركي، وبأن روسيا كانت على علم مسبق بما سيصدر، من باب الحرص على عدم فتح سجال او معركة معها، خصوصاً وان لبنان بحاجة اليها ليس من باب المساعدات الانمائية والانسانية والصحية والاقتصادية فقط، بل الاهم ان الروس متواجدون عسكرياً في سوريا وهم على مرمى حجر من لبنان. صحيح انهم لن يقوموا بغزو لبنان او مهاجمته، ولكن بامكانهم اثارة العديد من المتاعب والمشاكل وزيادة الامور تعقيداً من النواحي كافة، خصوصاً وان شريحة من اللبنانيين تدعمهم وسياساتهم، ويمكنهم استغلال ذلك بكل الطرق الممكنة.

وتضيف المصادر انه لهذه الاسباب تم شرح الموقف اللبناني للروس قبل صدور البيان، وافهامهم بما لا يقبل الشك انه اتى برغبة اميركية واضحة، لا بل مشددة، الى حد فرض بعض التعابير الاساسية فيه، وهو ما تفهمه الروس، بدليل صدور بيان "مقبول" من قبلهم بسقف من الكلام غير عال، وبطريقة توحي بأن الرسالة وصلتهم لجهة ان لبنان "مغلوب على امره" في هذا المجال وانه قد يُحرم من المساعدات للجيش والقوى الامنية وامدادات الكهرباء، والتوسط في مسألة الحدود البحرية وغيرها من الامور، في حال عارض الرغبة الاميركية. وتلفت المصادر الى ان اللقاء الذي جمع بو حبيب بالسفير الروسي وكلام الاخير بعد الاجتماع، يصبّان في سياق التفهم الروسي لما جرى، وبما يشير الى ان موسكو لم تأخذ على لبنان هذا الموقف، خصوصاً وانه ترافق مع عدم وقوفه ضد روسيا في الامم المتحدة.

وتوضح المصادر نفسها انه بالنسبة الى موقف عون وميقاتي، فهما قادران على "تليين" الاجواء عبر رسائل مباشرة او غير مباشرة، ولن يكونا بعيدين عن "التفهم" الروسي للموقف اللبناني بشكل عام، وبالتالي تقول المصادر ان البيان لن يكون سبباً في توتر العلاقات بين بيروت وموسكو، ولن تضع الأخيرة نصب عينيها "الاقتصاص" من لبنان بسبب هذا البيان. وتستطرد هذه المصادر، وتعتبر ان بو حبيب بأمان ولن يترك الحكومة بسبب البيان، فلا الروس اشترطوا ذلك، ولا الظروف تسمح بزعزعة الحكومة اكثر مما هي عليه اليوم، علماً انها غير قادرة بعد على تعيين وزير اعلام اصيل بدلاً من الوزير السابق جورج قرداحي، فكم بالحري تعيين وزير خارجية في هذا الوضع المتشنج داخلياً وخارجياً، ونحن على ابواب انتخابات نيابية؟.

وتطمئن المصادر الى ان العلاقات الروسية-اللبنانية ستبقى على حالها، ولن تتأثر بالحرب الدائرة في اوكرانيا، مع الاشارة الى ان اقصى ما يمكن ان يتعرض له لبنان من ضغوط، قد حصل بالفعل وكان ثمرته البيان الشهير، واستبعدت المصادر صدور مواقف لبنانية او غربية او روسية تتخطى ما صدر حتى اليوم.