"إذا متنا ما حدا بيعرف فينا".

أكاد أجزم أنّ المعاناة التي يعيشها الأطفال السوريون الذين يقبعون في مخيّمات متهالكة لا تحميهم من حرارة الشمس ولا تقيهم من قساوة البرد، تغرقهم في متاهة من العذاب، يرتشفون السائل مرارته في الصباح، ويلتحفون بردائه الخشن في المساء. فالحياة قد ضلّت طريقها بعيداً عن تلك المخيّمات،وتكاد لا تعرف إليها سبيلاً."ما كأنّو عايشين. لشو عيشتنا"؟...

مخيّمات منطقة ​عرسال​ في البقاع اللبناني هي واحدة من أسوأ عواقب أزمة النزوح من سوريا إلى لبنان. فالمآسي هنا تفوق الوصف. المكان مكتظ بالنازحين وأطفالهم. هنا تنعدم الخدمات؛ تنتشر الأمراض؛يسيطر الجوع؛ يسود الحرمان..."إذا ما متنا من الجوع،رحنموت من البرد"...

صحيح هو الحديث عن جهود الجمعيات المحلية والمنظمات الدولية التي تحاول المساعدة والتخفيف من حدّة الأزمة، غير أنّ المشكلة ما زالت قائمة في هذا المكان: مخيّمات بلاستيكية تنتشر على سفوح جبال البلدة الحدودية، عمرها من عمر الحرب في سوريا،وتنعدم فيها أبسط مظاهر حقوق الانسان."يا ريت لو حدا بيساعدنا"...

تصل إلى المخيّم. تدخله. للوهلة الأولى، تظنّ أنّ نظرك يخدعك. تصيبك الصدمة: يحوي المكان آلاف العائلات المشرّدة الوافدة من مختلف المناطق السورية.تشعر وكأنك سقطت على كوكب أخر.تثقل الأخبار المروّعة أذنيك. قصص أطفال زمن الحرب متناثرة، كما أوراق الشجر الذابلة، على قارعة دروب المخيّم. أصوات صغيرةتحدّثك عن أحلامهاالبريئة."بوقف على الرصيف بشوف رفقاتي هني ورايحين على المدرسة"...

الأحلامٌ ممنوعة. حرّمتها فصول تلك الحرب المدمّرة الدائرة هناك، عند الأفق، وراء القمم، والتي وصلت أصداؤها إلى مسامع الصغار، حملها إليهم خوف أهلهم ووجعهم،فأرخت بثقلها على نفوسهم اليانعة."شو ذنبنا خلقنا بهالبلد"؟...

مياه الصرف الصحي تملأ هذه البعقة المنسيّة، فيما مياه الشرب والاستحمام متوارية. لا مراحيض، بل رائحة خانقة تلفّ المكان. لا مطابخلإعداد الطعام، هذا إذا توفّر الطعام...مساحة مهملةيختزلكل شبر من زواياهاتداعيات الأزمة السوريةوبراهين الإهمال اللاحقبمن يصارع ليحيا هنا.

تكاد الحياة تقتصر بالنسبة إليهم على كسرةِحنين لوطن لا يبعد سوى بضعة كيلومترات خلف جبال عرسال، وزادٍ قليل من الإرادة يمنحهم رغبة في التثبت برمقٍوأملٍ...رغم كل شيء. ولكن، إلى متى؟ فلا أحد يعلم كيف سيُسدَل الستار على أزمة لم تنتهِ فصولها بعد!"خلقنا هيك ويمكن نبقى هيك"...

أزمة مرهونة بما هو أكبر من اهتمامات وتطلعات هؤلاء الأطفال الذين لا ذنب لهم، سوى أنهم ولدوا في زمن القتال. أطفال يقضون وقتهم في هذا المخيم المنبوذيقاومون البرد القارس والجوع القاتل، يحاربون لهيب الشمس والفقر."كتير بردان، بدي دفا"، "ما عنا اغطية للنوم، وبساط الأرض مبلل بالمياه"، "عظامي جمّدوا من الثلج"...

لقد صمّ أنينهم سمعي وأعمى وجعهم بصري!.

منهم من لا يعرفون من المدرسة سوى اسمها إذ دفعت بهم الظروف بعيداً عن مقاعدها. "بابا مريض. أنا بروح عالشغل بدل منّو". "انا كل النهار بالشغل كرمال أمِّن مصروفي".

أجساد طرية مرميّةطوال أيام السنة تحت أشعة الشمس الحارقة وبين أحضان الشتاء القارس. خيالات تبيع أرغفة خبزمحرّمة عليها بثمن بخس وتجمع علب الحديد، وتحرث الأرض... والقوت فُتات بائتة وبقايا عفنة لا تمتُّ إلى الأكل بصلة.

لا تعليم،لا تدفئة، لا كسوة، لا لقاحات، لا أدوية...

سوء تغذية،انتشار للأوبئة، فقر مدقع... مقابل زيادة مضطردة في أعداد الولادات والوافدينوغلاء أسعار المواد الغذائية وشحّها. فالخطر محدق بأطفال هذه المخيمات من كل حدب وصوب.

عشرات المنظّمات الدوليّة وهيئات المجتمع المدني تسعى جاهدةلتقديم المساعدة من خلال تأمين الدعم والمساعدة والرعاية للأطفال رغم تردّي الأوضاع الأمنية والاقتصادية، فتركت بصمة إيجابية على وضعهمبشكل عام.

يستفيد سكّان المخيّمات من تقديمات "منظمة الأمم المتحدة"لا سيّما ما بات يُعرف بالبطاقة الحمراء التي تسمح لحامليهابشراء مواد غذائية لقاء مبلغ شهري محدّد. كما تعمل "جمعية الإنقاذ الدولي"على تأمين تعليم الأطفال دون الخمس سنوات بشكل مجاني وتفسح المجال لممارسة بعض النشاطات الترفيهية. أمّا "جمعية الإغاثة الدولية" فتقدّمالعلاج النفسي للأطفال خصوصاً لمن يعاني منهم من التبوّل اللاإرادي وحالات شلل الأطفال وتقدّم لهم الأدوية التي يحتاجونها،كما تساهم في تأمين تكاليف العمليات الجراحية إذا لزم الأمر.أمّا"مركز الإرشاد" التابع لمنظمة "أطباء بلا حدود" فيتكفّل بتأمين الطبابة واللقاحات.

من جهة أخرى، تعمل "الجمعية المزدوجة" على تسجيل الأطفال عند ولادتهم وعلى تأمين الأوراق الثبوتية لهم وسواها من المعاملات الرسمية.

إلا أنّ ازدياد أعداد الأطفال بوتيرة عالية نتيجة ارتفاع نسب الولادات وتردّي الأوضاع الإقتصادية إضافةً إلى توافد أعداد كبيرة من النازحين الى مخيّمات عرسال بشكل دائم يشكّلون عوائق أساسية أمام عمل الجمعيات والمنظّمات بفعل تراكم الأعباء المادّية عليها، ما يجعل جهودها وتقديماتها "نقطة في بحر من الحاجات"، وما بات أمامها إلا الإستغاثة والمناشدة، علّ الأقدار تتبدّل، فلا يعود طريق الجحيم يمرّ من هناك!.

للتواصل مع بعض الجهات الإنسانية والجمعيات الأهلية العاملة في نطاق منطقة البقاع

1-مكتب الإغاثة الدولية

المكان: زحلة

رقم الهاتف: 71\ 220652

اسم المسؤول: كاتيا عبود-مديرة الموارد البشرية

2-جمعية الإنقاذ الدولي

المكان: حوش بردى، ايعات، مقنة، عرسال، بريتال، شمسطار، عدوس، قصرنبا

رقم الهاتف: 70\263525

اسم المسؤول: مروة الحجيري

3-لجنة انقاذ الطفل

المكان: عرسال

رقم الهاتف: 81\700202

4-الأمم الغذائية العاملية

المكان: عرسال

رقم الهاتف:01\594450

5-نكست كاير

المكان: البقاع

رقم الهاتف:01\504020

6-المجلس الترويجي للنازحين

المكان: عرسال، بعلبك