ليس لطائِفَةٍ، مؤدلَجةٍ بِما يُناقِضُ وجودَ ​لبنان​ وجَوهَرِهِ، أن تَعتَبِرَ لبنانَ مُعضِلَةً. وإن هي إعتَبَرَتهُ كَذَلِك، فالإشكاليَّةُ فيها وعِندها، وَلَيسَت عِندَهُ ولا فيه. لَها فَقَط أن تَتَعالَجَ مِن مأزوميَّتِها أو... تَرحَل هي لا أن "تَـقبَعَ" لبنان بما هو، وقد رَحَّلَتهُ الى ما تُريد.

فَلنَتَّفِق بِدايةًأنَّ المُعضِلَةَ تَعني ما يُناقِضُ الدَيمومَةَ بِما يُطاوِلُ، فِكراً وَقَولاً وَعَمَلاً،الغَمرَ الإنسانيَّ الذي يُحَرِّكُ هَذه الدَيمومَةَ وَيَجعَلُها مُتأزِّلَةً.

وَلنَنطَلِق مِن هنا الى الفَحوى: ما الوجودُ؟ وما الجَوهَرُ؟ ليسا مُجَرَّدَ مَبدأ تَعاطٍ، بل ما يَتِّمُإنضِواءُ الجَميعِ في إنبِعاثِ ضَوئِهِ المُتمَيِّزِعمّا هو غَيرُه. وإذا كانَ الوجودُ ظاهراًمِن خِلالِ تَمايُزِهِ، فالجَوهَرُهو قِيامُ هذا الوجودِ بِذاتِهِ، قياماً غالِباً وَقيمَةً مُعقلِنَةً تَجعَلُأيَّ مُنتَمٍ الى وجودٍ مُعَيَّنٍ يُدرِكُ حَجمَ انتمائِهِ الى هذه الفَرادَةِ.

فَلنَشرَح: أنا لبنانيٌّ، أيّأنَّ لي، في آنٍ، الوجود اللبنانيّ الخاص والجوهر اللبنانيّ الكُليّ، فأنا لَستُ في فَراغٍ لا مَكانَ له ولا زَمان، وهو غَير قادرٍأصلاًأن يَتَزَمَّنَ وَيَتَمَكَّنَ. لِنَعتَرِف إذاً: أنا لبنانيٌّ، يَعني أنَّ لي وجوداً يَتَجَوهَرُ، مِلؤهُ مِن ذاتِهِ: صَقَلَهُ الفِكرُوأبدَعَهُ الإيمانُ، فَغَدا بِهِما حاضِراًأبَداً. هوذا المِعنى الذي بِهِأتَجاوَزُ كافَّةَ الظواهِرِ، غَير التامَّةِ مِنها أو الطارِئَة أو غَير البالِغَةِ، الناقِضَة للفِكر أو نَقيضَةِ الإيمانِ.

ها أنا إذاً بَينَ نَواميسِ العَقلِ وإبداعاتِ القَلبِ، مَساحِب مِن ريحٍتَربِطُأرضَ وَطَني بالسَماءِ: أرضي أهدَتني التَجَذُّرَأيّ الإستِقرار، وَسَمائي أنعَمَت عَليَّ بالتَحوّلِ... الى اللافَناءِ. مِن عالَمِ وجودي الى عالَمِ جَوهَري، لَستُ في غُربَةٍ عَن ذاتي، وإن تَلَبَّدَت فَوقَهُما غُيومٌ أو تَكَلَّست عَلَيهِما أزَماتٌ: هي حالاتُ تَنَغُّصٍ. وَحدَهُ رِحابُ الوجودِ المُتَجَوهِرِ الى بَقاءٍ.

فِعلُ الباطِلِ

لَقَد بَحَثتُ عَن رَدٍّ على تَطاولِ مَن إعتَبَرَ لبنانَ مُعضِلَةُ، فَما وَجَدتُإلا طَفرَةَ زَبَدٍ. لِمَ؟ لأنَّ مَن رَدَّإستَبسَلَ في السَطحيِّ، وَمَن صَمَتَإستجدى كُرسيَّاً. كِلاهُما لَيسا مِن طينَةِ لبنان، وكلاهما إستَكبَرا عَليه، فإمتَطَياهُ بُلوغاً لِمآرِبِهِما في الظَرفيِّ مِن مِصالِحِهِما في السَطوَةِ على حَقيقَتِهِ.

لا! هَؤلاء: مَن يَعتَبِرونَهُ مُعضِلَةً،أو مَطيَّةٌ،أو تَناقُضاً يَتعاضَدُ والعَدَم... لَيسوا بِلبنانييِّنَ. ولبنانُ يَنبُذُهُم. لِمَ؟ لأنَّ مَسعاهُم لَيسَ في مُجَرَّدِإستِدعاءِ خارِجٍ الى داخِل للإستِقواءِ بِهِ-هذا لِوَحدِهِ خيانَةٌ عُظمى-بَل-وهنا الأخطَرُ- في تَفجيرِ الداخِلِ عَبرَ فَصلِ الوجودِ اللبنانيِّ عَن جَوهَرِهِ، عَمَلاً وَقَولاً وَفِكراً، إرضاءً لِخارِجٍ نَقيضَ نورانِيَّةِ التَجذُّرِ والتَحَوُّلِ، وَإستِدراجاً لَهُ وَإستِعباداً لِظواهِر المَوتِ التي فيهِ.

هوذا فِعلُ الباطِلِ: الإرتِواءُ مِنَالنَقيضِ... لِلهَدمِ، وَهو أشَدُّ وَطأةً مِن السَلبِ والغَلَبَةِ، لأنَّه ناجِمٌ عَن جَهلٍ لِحِكمَةِ التَساوي التي بَينَ وجودِ لبنانَ وَجَوهَرِه، وإرادَةٍ لِتَدميرِها في آنٍ لأنَّها نَقيضُ الخارِجِ المُستَدرَجِ، وِلايَةً وَتَكليفاً شًرعيَّاً، إي إغتِصاباً لِلحرِيَّةِ، وَغَصباً لِتلاقي الأرضِ والسماءِ، مِن خِلالِ مُصادَرَتِهِما لإخراسِهِما.

وَهُنا البُلوغُ: الحُريَّةِ. وَهي لَيسَت بِصِدفَةٍ. بَل الواجِبَةُ في تَساوي الوجودِ اللبنانيِّ وَجَوهَرِهِ، ذَلِكَأنَّ جَوهَرَ لبنانَ "كَوَطَنٍ-رِسالةٍ لِلشَرقِ كَما لِلغَربِ"، لا يَقومُإلَّا على َكونِهِ مَوجوداً بالحُرِيَّةِ، وَفيها، وَلَها. وَهَل الحُرِيَّةُ واجِبَةٌإلّا لأنَّها جَوهَرٌ وَوجودٌ، وجودٌ وَجَوهَرٌ؟ بِغَيرِ ذَلِكَ لا تَكونُ قِيمَةٌ: قِيمَةُ لبنانَ، وَفِعلُ أفعالِهِ!