في ظلّ الصّراع الرُّوسيّ–الأُوكرانيّ وفي ذُروته، لا بُدّ مِن التوقُّف عند النّظرة الرّوسيّة لأُوكرانيا، وطرح السُّؤال: مَن هُم الأُوكرانيّون بالنّسبة إِلى الرُّوس؟ وبالتّالي هل صحيحٌ أَنّ ما يبتغيه الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين مِن الحرب مع أُوكرانيا، إِنّما هو "خلق دولةٍ فاشلةٍ"، على ما تسرّب في الإِعلام الغربيّ وأُخذ به في التّحليلات الصّحافيّة، خلال السّاعات الـ48 الماضية؟... وإِذا كبّرنا الحلقة الدّوليّة وانسحب المشهد على الصّين–تايوان: هل يأتي دَوْر التّأنيب الصينيّ لتايوان قريبًا؟... بخاصّةٍ وأَنّ ما يجمع بَيْن المنطقَين إِنّما هو قَوْلٌ روسيٌّ–صينيٌّ مُشتَرَكٌ: "نحن نستعيد أَراضي لنا"... أَم أَنّ المقولة الأَكثر تواترًا في الإِعلام، والقائلة إِنّ الحرب في أُوكرانيا، إِنّما هي حربٌ بَيْن ​روسيا​ و"النّاتو" في ميدان كييف، هي الأَقرب إِلى الواقعيّة السّياسيّة؟.

لا شكّ أَنّ منسوب الحقيقة في الفرضيّة الأَخيرة أَعلاه مرتفعٌ جدًّا، بدَليل القصف الرُّوسيّ في اليَوْمَين الأَخيرَين على حُدود التّواجد الميدانيّ الأَطلسيّ بغضّ النّظر عمّا يُشاع مِن أَجواء إِيجابيّة في المُفاوضات بَين موسكو وكييف...

ردّ "النّاتو"

وعلى المقلب الآخر، بدأَ حلف شمال الأَطلسيّ الاثنَين، "أَكبر مُناوَرةٍ عسكريّةٍ" له مُنذ "الحرب الباردة"... في خُطوةٍ تُؤكّد فرضيّة الهدف الرّوسيّ الحقيقيّ وهو "رأس النّاتو"!. ويُشارك في المُناورات الّتي أُطلِق عليها اسم "تمرين الاستجابة الباردة"، أَكثر مِن 30 أَلف جنديٍّ، من 27 دولةً، سيتدرّبون في درجات حرارة ما دون الصّفر.

وعلى هامش المُناورات الأطلسيّة، يُنظّم رئيس الوزراء البريطانيّ بوريس جونسون قمّةً مع زُعماء مِن البلدان الاسكندنافية ودول البلطيق، جيران روسيا. ويستقبل جونسون الثّلاثاء في لندن، قادة قوّة المُشاة المُشتركة (جيف)، وهو تحالفٌ مِن عشر دُولٍ، يركّز على الأَمن في شمال أُوروبا، بحسب بيانٍ صادرٍ عن "داونينغ ستريت".

قنبلة واشنطن الدُّخانيّة

وأَمّا الولايات المُتّحدة الّتي أَكثر ما تستخدمه في الحرب الأُوكرانيّة المُستعِرة من عتادٍ عسكريٍّ... إِنّما هو المنظار، فإِنّها تُطلق في المُقابل قُنبلةً دُخانيّة سياسيّةً تُدعى "المادّة 5"، مُتوعّدةً بها روسيا بعظائم الأُمور. والمادّة 5 الّتي تستند إِليها واشنطن، هي تلك العائدة إِلى مُعاهدة حلف "النّاتو"، الّتي تمّ توقيعها في واشنطن في الرّابع مِن نيسان 1949، والّتي تُتيح اللجوء إِلى القُوّة العسكريّة للدّفاع عن مصالح الدُّول الأَعضاء في الحلف، إِذا دعت الحاجة.

ونصّتِ المادّة 5 على الآتي "أَيّ هُجومٍ، أَو عدوانٍ مُسلّحٍ ضدّ طرفٍ منهُم (مِن أَطراف النّاتو)، يُعتبَر عُدوانًا عليهم جميعًا. وبناءً عليه، فإِنّهُم مُتّفِقون على حقّ الدّفاع الذّاتيّ عن أَنفسهم، في شكلٍ فرديٍّ أَو جماعيٍّ، وتقديم المُسانَدة والعَوْن إِلى الطّرف أَو الأَطراف الّتي تتعرّض للهُجوم، باتّخاذ الإِجراءات الذّاتيّة".

ونظرًا إِلى أَنّ أُوكرانيا ليست عضوًا في الـ"ناتو"، فإِنّ الولايات المُتّحدة ليست مُجبرةً على حماية البلد بالطّريقة نفسها الّتي ستحمي بها دولة عضوًا في الحلف. ولكنّ الكثير مِن جيران أُوكرانيا هُم أَعضاء في الـ"ناتو"، وإِذا امتدّ هُجومٌ روسيٌّ إِلى إِحدى تلك البلدان، فقد تؤدّي المادّة 5 إِلى مُشاركةٍ مُباشرةٍ مِن الولايات المُتّحدة وأَعضاء آخرين في الحلف.

وهكذا يُفهَم قول واشنطن تهديدًا: "سنُفعِّل المادّة 5"... على لسان مُستشار الأَمن القوميّ الأَميركيّ جيك سوليفان، الأحد الماضي. وأَضاف في تصريحاتٍ لبرنامج على شبكة "سي. بي. إس"، سيجنّد الـ"ناتو" كُلّ قوّته للردّ على أَيّ هُجومٍ روسيٍّ على أَيٍّ مِن دُول الحلف المذكور بحسب المادّة الخامسة مِن ميثاقه الّتي تنصّ على ذلك.

ولكن هل تصحّ حسابات بيدر "العمّ سام"... في الحقل الأُوكرانيّ وتُرْبته المُلتهبة؟.