اشارت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في مقال تحت عنوان: "الحرب الأوكرانية.. اللعبة ​الصين​ية- الأميركية"، الى إن اجتماع روما يوم الاثنين بين جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي لإدارة بايدن، ويانغ جيتشي، المسؤول عن العلاقات الدولية داخل الحزب الشيوعي الصيني (طلبته واشنطن)، يعني أن السياسية الأميركية في أوكرانيا التي تعود إلى التسعينات غادرت المجال الاقليمي من أجل التداعيات التي أضحت عالمية.

وذكّرت الصحيفة الفرنسية بدعوة أميركا الصين إلى الكف عن مساعدة الروس في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية التي فرضها عليها الغرب على خلفية هجموها العسكري على أوكرانيا، والذي قال سوليفان للمسؤول الصيني إنه "غير مبرر ويعد انتهاكاً خطيراً للغاية للقانون الدولي في جوهره". وأضاف المسؤول الأميركي: "أيها السادة الصينيون، يجب أن تخبرونا ما إذا كنتم معنا أم ضدنا في هذا الأمر".

ولفتت الى إن الصينيين يكرهون التدخل الأميركي تحت راية الديمقراطية، لكنهم يعرفون القصة. إنهم يعلمون أن الغرب لا يتحمل أي مسؤولية على الإطلاق فيما يتعلق بالفصل الإقليمي بين الشعبين الشقيقين الأوكراني والروسي. في الثمانينات، نظر جميع الغربيين إلى مدينة كييف على أنها أجمل المدن الروسية، واعتقدوا أن بريجنيف روسي، بينما كان أوكرانيًا. في عام 1991، حدث طلاق بالتراضي بين أوكرانيا و​روسيا​، أعلنه رئيساهما، كرافتشوك ويلتسين، حيث أرادا التخلص من وصاية الاتحاد السوفييتي وزعيمه غورباتشوف. أعلنت أوكرانيا استقلالها بشكل قانوني بعد استفتاء دوري في كانون الأول 1991. واعترفت روسيا بسيادة أوكرانيا، دون أي ضغط من الغرب على الكرملين.

وأوضحت الصحيفة أنه من ناحية أخرى، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اختلفت الآراء حول التدخل الأميركي في أوكرانيا. يعتقد الأطلسيون أن الأميركيين كانوا على حق في دعم الثورة البرتقالية الموالية للغرب عام 2004 في كييف، ثم ثورة ميدان في عام 2014.

أما محبو روسيا (ومن بينهم العديد من الصينيين) فيعتقدون أن أميركا، التي تفكر في نفسها على أنها أمة ذات مصير واضح، تسعى باستمرار إلى توسيع إمبراطوريتها، إذا لزم الأمر بالقوة (كما حدث في عام 1999 ضد صربيا في عهد ميلوسوفيتش، وفي عام 2001 ضد طالبان، وعام 2003 ضد عراق صدام حسين، و2011 ضد ليبيا القذافي)، وأن الاحتجاج بالديمقراطية ما هو إلا ذريعة لإمبرياليتها. ويلقون باللوم على الأميركيين لتجاهلهم غضب بوتين من التوسع المستمر لحلف شمال الأطلسي شرقا، والذي تم التعبير عنه في وقت مبكر من عام 2007.

من المؤكد أن شي جين بينغ، سيد الصين العظيم -بحسب "لوفيغارو"- سيفكر مرتين قبل أن يعطي إجابته لطلب سوليفان. الغزو الروسي لأوكرانيا يثير استياءه، وهو يعلم أن الصين ما تزال بحاجة إلى السوق الأميركية لتجارتها.

وأوضحت الصحيفة أن هناك سيناريوهين محتملين يطرحهما الاستراتيجيون الأميركيون والصينيون: الأول، يتمثل في قبول الصينيين -لصالح مصالحهم التجارية- طلب واشنطن، بشرط سحبها للعقوبات التكنولوجية المفروضة عليهم منذ ثلاث سنوات. في هذا السيناريو، سيتم إنشاء ديناميكية تسمح للولايات المتحدة بالمضي قدما بسرعة كبيرة في الملف الإيراني، وسيتم توقيع اتفاق نووي جديد، أصبحت بنوده الفنية التي تم التفاوض عليها في فيينا جاهزة بالفعل مع إيران، والتي ستشهد رفع العقوبات. وسيتم تخزين اليورانيوم الإيراني المخصب بنسبة 60 بالمئة، في الصين بدل روسيا. وستستورد أوروبا الغاز الإيراني ليحل محل الغاز الروسي.

وستضعف روسيا تدريجياً بعد أن اختنقت اقتصادياً، وأصبحت غارقة في المستنقع العسكري حتى ينسحب بوتين من أوكرانيا أو تطيح به ثورة القصر، مثل الصربي ميلوسيفيتش في عام 2000. لكن هذا قد يخلق فوضى في روسيا، لا يريدها الصينيون بأي ثمن.

السيناريو الثاني، المحتمل هو أن يظل الرئيس الصيني مخلصا لصديقه ونظيره الروسي بوتين، كما وعده عندما التقيا في بكين في 4 شباط الماضي. سيتعزز تحالف الأنظمة الاستبدادية وسنشهد تقسيم العالم إلى كتلتين: الغربية (دول الاتحاد الأوروبي وأوكوس واليابان وكوريا الجنوبية) والدول الأوروبية الآسيوية (الإمبراطورية الروسية المعاد تشكيلها والصين وإيران). وسيتبع ذلك صراع رهيب على النفوذ بين الكتلتين، ويستهدف العالم الأفريقي والعربي- الإسلامي والهندي وأمريكا اللاتينية، بحسب الصحيفة الفرنسية، موضحا أن هذا السيناريو ليس بالاحتمال السعيد لأي شخص.

المصلحة المشتركة للصينيين والأميركيين هي في الواقع الاتفاق على سيناريو وسطي، يفتح مخرجا مشرّفا لجميع أبطال الصراع الأوكراني. طرق التسوية حول دونباس وحلف الناتو، التي قدمها الرئيس زيلينسكي في مقابلته مع ABC News، تبيّن بشكل مفيد الطريق إلى هذه التهدئة.