استطاعت زينب حمود (21 عاما) وسولاي فرحات (22 عاما) ، وهما طالبتان في إحدى كليات طب الجامعة اللبنانية ، إقناع البرفسور سليم عبد الرؤوف، رئيس مجلس إدارة جامعة عبد الرؤوف لجراحة الدماغ، ونادي "داندي" الطبي، بإقامة دورة هذه السنة من المؤتمر السنوي لجرّاحي الأعصاب والدماغ، في لبنان. المؤتمر الذي بدأ في اليونان، وسيكمل في اسبانيا في السنة المقبلة، توزع برنامجه على يومين في قاعة عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، وهو أول مؤتمر متخصص بجراحة الأعصاب يقيمه النادي في الشرق الأوسط وفي أي بلد عربي على الإطلاق.

العلامة الفارقة التي أضافها المنظمون إلى هذا النوع من المؤتمرات هو إشراك طلاب كليات طب الأعصاب اللبنانية في المؤتمر، فعدا عن كونه جمع روّادَ هذا المجال في المجتمع العلمي العالمي، كالدكتور سامر البابا من الأردن، المتخصص في إجراء عمليات عصبية للأجنّة في الأرحام، فهو وضع الطلاب على تماس مع أهم الجراحين الذين حققوا إنجازات جراحية وساهموا في تطوير التقنيات خدمة للهدف نفسه.

ركّز الحضور على أهمية هذا التواصل لأيّ طالب طب، خصوصا الطالب اللبناني، مع نماذج لأبطال قصص النجاحات الطبية والذين خرجوا من نفس البيئة العربية غير المشجعة بأغلبها والمُثقلة بالتحديات عموما. عن طريق هذا التواصل يطرد الطّلاب أي احساس يراودهم بالفشل والاحباط، بحسب الدكتور سراج الدين بالخير، الذي أجرى أول عملية جراحة لدماغ في حالة الوعي، وهو رئيس قسم الجراحة العصبية في مستشفى حمد في قطر.

ما ضاعف أهميّة المؤتمر تضمنيه لخصائص المعارض التوجيهيّة لجهة مساعدة طلاب طب الأعصاب في اختيار مسارهم التخصصي بشكل دقيق، في ظل تشعب فروع علم الأعصاب.

إلى جانب المحاضرات والعروض التوضيحيّة التي قدمها الأطباء ومنها عن داء الصرع وأورام الدماغ، قراءة صور الأشعة لتشخيص الأمراض، وجراحة العمود الفقري، تميّز المؤتمر بحضور مندوبين عن شركة معدّات طبية إسبانية (Surgical Training)، قدمت خدماتها بالمجّان في المؤتمر تشجيعا على نشر رسالتها العلمية رغم الظروف الاقتصادية الصعبة، فعملت على تدريب الطلاب على إجراء العمليات الجراحية مستعينة بتقنية الواقع الافتراضي، وهي تقنية لا تزال غير متوفرة لطلاب الجراحة في لبنان.

العائق المادي كان من أبرز التّحديات التي واجهت فريق العمل المنظم من الطلاب، والتي اخذوها على عاتقهم في بادئ الامر معتمدين بشكل جزئي على اشتراكات الحضور التي لا تتجاوز العشرة دولارات للشخص الواحد، حتى عرضت الجامعة تخفيض كلفة النفقات التشغيلية للقاعة من ستة آلاف دولار أميركي إلى ألفي دولار، أي ما يعادل أكثر من نصف القيمة الإجمالية للمبلغ، والذي سدده رعاة الحفل من مؤسسات محلية (الفاكهاني) وأخرى علمية عالمية (Lecturio) وهي تُعنى بمجال التعليم الطبي عن بعد.

يعتبر جراح الأعصاب في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور مروان نجار، أن الجامعات اللبنانية في الوقت الراهن غير قادرة إلا على تقديم بعض التسهيلات اللوجستية لأنها أصلا منهكة، سعيا للحاق تغطية موضوعات المنهاج، وتفاصيل تأمين الكهرباء في الصفوف، وإيجاد بدائل لأفراد الكادر التعليمي الذي يعاني من استقالات مستمرة.

يضم الدكتور حسين درويش، وهو دكتور مساعد في المجال والمؤسسة نفسها، جملة من أسباب أخرى تُفرز نقصًا في استضافة مؤتمرات طبية بالغة الأهمية على الأراضي اللبنانية ، مشكّلة بذلك نوعًا من العزلة، وهي تتعلق بنزعة التفوّق التي تبديها مختلف إدارات الجامعات اللبنانية. فكل جامعة تعتبر أنها الأفضل، ونتيجة لذلك، ينعدم التعاون بين الجامعات وتسعى كل منها إلى البحث عن إنجاز شخصي. بالتالي لا نسمع عن نهضة جماعية تمثل الوطن في بلاد الخارج، بل عن إنجازات فئة دون أخرى.

العامل الفئوي الأخير يسري بالمثل على الطلاب، فالطالب "الميسور" المسجّل في جامعات "مرموقة" سيتدرب في مختبرات الجامعة المجهّزة و لاحقا في مستشفيات "غير مُفلسة"، وممكن أن سيحظى بفرص عمل أكثر خارج الحدود، وهذا كله ليس متوفرا للطالب "الفقير".

يأسف درويش لهذه الحال، شاكيًا وضع الأطباء، مبرّرا أن ضغط العيادات، في محاولة لمعاينة أكبر عدد من المرضى لضمان مردود مادي جيد للصمود في وجه الأوضاع المعيشية الصعبة، استنفذ طاقة ووقت الطبيب، ما يجعل الاهتمام بتطوير مهارات الطالب وتنظيم المؤتمرات ثانويًا. وأضاف درويش "بس حدن يجوّعك ببطل إلك خلق ع شي"، مقارنا حال أطباء لبنان بحال الطبيب المطمئن على ثبات دخله كل آخر شهر في البلدان الأجنبية، "حتى لو لم يعاين أي مريض".

بالرغم من كل شيء، توحّد الحضور على أن لبنان لا يزال في الطليعة في المنطقة، ومقصدًا لأهم الجراحين من مختلف الدول العربية، والتي تحيل إليه ما تصنّفه من أصعب الحالات العصبية، فلبنان يأتي في المرتبة الأولى لعمليات جراحة الدماغ والباركنسون (شلل الرعاش) وعمليات التنظير بالأنبوب Endoscopic Surgery..

مع ذلك، كان الدافع الأساسي الذي استفزّ الطلاب لجلب المؤتمر إلى لبنان هو الاستخفاف بالطالب اللبناني والعربي. فروى بعضهم تعرّض زملائهم للرفض وكيف أنهم قوبلوا بمزيد من العراقيل التي وضعتها البلدان الأجنبية بخصوص بخصوص الحصول على تأشيرات للطلاب العرب لتصعيب حضورهم المؤتمرات هناك.

الملتقى الأول الذي جمع طلاب الطب من كافة الجامعات اللبنانية استقطب أطباء وطلاب عرب وأجانب من قطر وليبيا والسعودية ومصر والسودان و ممثلين عن البحرين والإمارات وتونس واليمن والجزائر وتركيا و الولايات المتحدة وأوكرانيا ودول أوروبية أخرى.

وأكد البرفسور سليم عبد الرؤوف أن الامكانيات الكامنة لدى الشباب العربي واللبناني واعدة و استثنائية، وأنه عمل على تبديد مخاوف المجتمع العلمي الغربي بما بتعلق بمستوى لبنان الطبي. وركّز عبد الرؤوف في المؤتمر على الإضاءة على أهمية تنمية الشّخصية القيادية لدى طلاب الطب تحديدا، واعتبره من أهم ما يُدرّس في كليات الطب في الغرب.

كان لافتًا استحواذ موضوع تمكين المرأة جزءا لا يستهان به من المؤتمر، حيث روت الدكتورة هبة شرف الدين، أوّل جرّاحة أعصاب في لبنان، فصولاً من التمييز الجندري الذي تعرضت له، والذي بدأ برفض بعض المستشفيات التعامل معها لكونها امرأة، وما في ذلك من ربط للجنس بنوع من الضعف غير المبرر بحسب قولها. وسردت شرف الدين بعضًا من نصائحهم لها ومنها "فلتدرسي اختصاص التخدير، شو بدك بهالشغلة".

الغريب أن القصة لا تعود إلى القرون الوسطى، فعمر هذه القصة لا يتجاوز العشر سنوات. لم تنته القصة عند هذا الحد فالتهكّم بحسب الطبيبة وصل بأحدهم لاعتبار أن مثل هذه الاختصاصات لا تليق بامرأة، "فهل ستترك فراش الزوجية بعد منتصف الليل لتلبي اتصالا عاجل وتتوجه لاجراء عملية!"..

شاركت شرف الدين تجربتها مع الممتعضين الذين "لا يضعون رؤوسهم بيد امرأة"، مع الطالبات خصوصا بعدما حجزت لها الآن مكانًا بين ألمع الجراحين ذائعي الصيت، مؤكدة أن المرأة تستطيع أن تكون ما تريد، "وتطلع على القمر إن أرادت ذلك".