في إنتخابات العام 2009 النيابيّة، بلغ عدد المُرشّحين 702، وفي إنتخابات العام 2018 وبالتزامن مع إعتماد القانون النسبي الجديد إرتفع عدد المُرشّحين إلى 976 مُرشّحًا، وفي إنتخابات العام 2022 الحالي تمّ تسجيل 1043 طلب ترشيح(1) على أن يتنافس هؤلاء على 128 مقعدًا. وفي حين يعتقد الكثيرون أنّه لا يُمكن الفوز بأيّ مقعد نيابي، ما لم يتمتّع المُرشّح المَعني بقاعدة شعبيّة مُهمّة، إنّ الحقيقة في مكان آخر، حيث يُمكن الفوز بمقعد نيابي ببضع مئات من الأصوات فقط، ولكن بشرط واحد. ماذا في التفاصيل؟.

ما لا يعرفه الكثيرون أنّه في الإنتخابات الماضية، وفي حين خسر مُرشّحون نالوا آلاف الأصوات(2)، تمكّن عدد من نوّاب البرلمان الحالي من الفوز، حاصدين بضع مئات من الأصوات فقط، وهم: سليم خوري عن مقعد الروم الكاثوليك جزين (708 أصوات)، وأنطوان بانو عن مقعد الأقليّات في بيروت الأولى (539 صوتًا)، ومُصطفى الحسيني عن المقعد الشيعي في جبيل (256 صوتًا)، وإدي دمرجيان عن مقعد الأرمن الأرثوذكس (77 صوتًا)، أي بضع عشرات وليس حتى بضع مئات من الأصوات!.

وهذا ما شجّع الكثيرين على الترشّح لهذه الدورة، بحيث زادت نسبة المُرشّحين بشكل واضح، بمجرّد أنّ مال الإتجاه نحو إجراء الإنتخابات في موعدها، بعد أن كانت الأجواء توحي بإحتمال كبير بتأجيلها. وإذا كان صحيحًا أنّ بعض المُرشّحين يُشكّلون رافعات إنتخابيّة للوائح التي يُنافسون من ضمنها، فإنّ الأصحّ أنّ فرص بعض المُرشّحين غير المعروفين والذين لا يتمتّعون بقواعد شعبيّة مُهمّة، قائمة للفوز بنسب لا بأس بها. فالقانون الحالي الذي يمنع أيّ مُرشّح من خوض الإنتخابات مُنفردًا، ويُرغم المُتنافسين جميعهم على الإنضواء ضُمن لوائح، يسمح لكل لائحة تنال الكسر الأعلى للحواصل الإنتخابيّة، بالفوز بمقعد نيابي شبه مجّاني!.

بمعنى آخر، عند إحتساب الحاصل الإنتخابي الأوّل، وإستبعاد كل اللوائح التي لم تتمكّن من تجميع ما لا يقلّ عن حاصل واحد، يتمّ تحديد الحاصل الإنتخابي النهائي. وعندها يتمّ تحديد عدد الحواصل التي فازت بها كل لائحة(3)، وبعد ذلك نصل إلى مرحلة تحديد كسر الحاصل الأعلى الذي نالته كل لائحة، لتعبئة آخر المقاعد التي قد تكون لا تزال شاغرة. إشارة إلى أنّه من المُمكن أن يخسر مُرشّح نال أصواتا عالية على لائحة مُعيّنة، ويفوز مُرشّح آخر على اللائحة نفسها ونال أصواتا أقل بكثير، والسبب هنا يعود للتوزيع الطائفي والمذهبي للمقاعد.

وإنطلاقًا من هذا الواقع، وبعد إكتساب خبرة جيّدة من إنتخابات الدورة النيابيّة الماضية، قامت القوى السياسيّة المُختلفة هذه المرّة، بتوزيع مُرشّحيها بشكل مدروس جدًا من حيث التقسيم الطائفي والمذهبي ضُمن اللائحة الواحدة، لرفع فرص الفوز إلى أقصى درجة مُمكنة. وهذا ما ظهّره الإنتماء الديني لبعض المُرشّحين. ومن المُلاحظ أيضًا أنّ التكتيك الذي إعتمده حزب "القوّات اللبنانيّة" في الدورة الماضية، لجهة صبّ أصوات كل المُحازبين لصالح مُرشّح واحد في كل دائرة إنتخابيّة صُغرى، لاقى إقبالاً أوسع في هذ الدورة، حيث ستعتمده قوى سياسية أخرى أيضًا. في المُقابل، يُلاحظ التضعضع الذي يسود الساحة السنيّة حيث أظهرت أرقام وزارة الداخليّة تعدّدًا كبيرًا في المرشّحين السُنّة في أكثر من دائرة، بسبب غياب القيادة المركزيّة القادرة على تشكيل لائحة واحدة قويّة في كلّ دائرة، ما سيؤدّي إلى تشتّت كبير في الأصوات، ما لم يتمّ تشكيل لوائح تتمتّع بمصداقيّة.

وهنا لا بُد من الإشارة إلى أنّ تعدّد اللوائح الضعيفة، والتي لن تتمكّن من حصد أيّ حاصل إنتخابي، أكانت تابعة لمُرشّحين مَحسوبين على "المُجتمع المدني" أو لسواهم، من شأنها أن تُقدّم خدمة كبيرة للوائح القوى الحزبيّة العالية التنظيم. والسبب أنّ هذه اللوائح ستؤمّن-من حيث لا تدري، خفض الحاصل الأوّل بشكل ملحوظ، لصالح القوى الحزبيّة المُنظّمة القادرة على تجميع أصواتها وعلى توجيهها بشكل مدروس. ومهما قيل عن تراجع كبير لمُختلف القوى الحزبيّة، فإنّ عدد البطاقات الحزبيّة لهذا العام لكل حزب، يؤكّد القُدرة على جذب عشرات آلاف الناخبين إلى صناديق الإقتراع، بناء على توجيهات حزبيّة تطال هؤلاء المُحازبين وأفراد عائلاتهم في أغلب الأحيان.

في الخُلاصة، القانون الحالي لا يسمح لأي مُرشّح بخوض الإنتخابات وحيدًا، لكنّ الإنضمام إلى أيّ لائحة قويّة إلى حدّ ما، بالتزامن مع كثير من التخطيط المُسبق للتوزيع المذهبي، ومع قليل من الحظّ، من شأنه أن يؤمّن فوز مجموعة من النوّاب بحفنة قليلة من الأصوات!.

(1) الباب ما زال مفتوحًا لسحب أيّ ترشيح حتى نهاية شر آذار الحالي، على أن يتم إنهاء تشكيل اللوائح قبل الرابع من نيسان المقبل ضُمنًا.

(2) مثلاً حسين زعيتر (9369 صوتًا)، جيمي جبّور (8667 صوتًا)، عماد الخطيب (8543 صوتًا)، فادي كرم (7822 صوتًا)، وئام وهّاب (7340 صوتًا)، يحيى شمص (6658 صوتًا)، مريم سكاف (6347 صوتًا)، وأشرف ريفي (5931 صوتًا)، إلخ.

(3) قد يكون حاصلاً واحدًا أو إثنين أو ثلاثة حواصل وربما أكثر، تبعًا لحجم الدائرة ولعدد الأصوات.