بعد اقفال باب الترشيح الرسمي للانتخابات النيابية، تصاعدت حدّة الاقاويل والاخبار التي ربطت بين هذا الاستحقاق الدستوري وامور عديدة اخرى منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي-مالي، ومنها ما يتعلق بمواضيع حياتية ومعيشية. ولكن من بين المواضيع التي تم ربطها بالترسيم، مسألة ​الانتخابات النيابية​، بحيث يتردّد بقوة ان مصير هذه الانتخابات مرتبط بنجاح الترسيم وبموافقة لبنان على الشروط الموضوعة، وبالتالي فإنّ الامور على نار حامية جداً والسباق حاصل لا محال بين اجراء الانتخابات واجراء الترسيم.

قد يحمل هذا القول شيئاً من المنطق، لان احدى وسائل الضغط حول العالم، تتضمن مسائل الحريات وضمان حرية التعبير، والانتخابات في لبنان خصوصاً اكتسبت اولوية خارجية ظهرت في اكثر من مناسبة، وباتت احدى الشروط الاساسية التي فرضتها دول الخارج لمساعدة لبنان. ولكن، هل يمكن فعلاً الاعتداد بالربط بين اجراء الاستحقاق النيابي وترسيم الحود البحرية؟ قد لا يكون هذا الامر بهذه السهولة، فتعقيدات الترسيم متشعبة، ولا تقتصر فقط على موافقة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على الموضوع ام لا، فعلى الرغم من "تحييد" ​الجيش اللبناني​ عن الموضوع وخصوصاً بعد الاختلاف في اعتماد الخطوط (بين خطي 29 و23) وقول قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ ما مفاده ان الجيش قام بالدور المطلوب منه في موضوع الترسيم البحري والمحدد وفق القوانين، هناك الكثير من المعطيات التي يجب تخطيها في بلد مثل لبنان. الامر باختصار يحتاج الى موافقة الجميع، فالرئيس عون قد يوافق على شيء ما، الا انه اذا لم يحظ بدعم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فلن يبصر النور، لان مجلس النواب سيضع "الفيتو" ويبطل كل شيء. والاهم من كل ذلك، انه في لبنان، يجب موافقة ​حزب الله​ على المسألة والا فإنّ الامور ستأخذ منحى آخر. اما لمن يرى أن الاستعجال في موضوع الترسيم مردّه الى إمكان "تمرير" مجلس النواب الحالي هذا الامر وعدم تركه لمجلس النواب المقبل، ففي الامر بعض المبالغة لأنّ المسار العام يوحي بما لا يقبل الشك أنّ التوجه النيابي للمجلس الجديد لن يختلف عن الحالي، ولو اختلف عدد مقاعد التيارات والاحزاب السياسية بعض الشيء، وهو امر يمكن القول ان الجميع سلّم به في الداخل والخارج على حد سواء.

وفي حين تبرز بعض العقبات في ما حمله المبعوث الاميركي آموس هوكشتيان من أجوبة اسرائيلية، فإنّ من شأن الجواب اللبناني أن يحرّك الركود الّذي ساد في الفترة الاخيرة، ولعل الخطوط المتعرّجة تحمل معها الجواب الشافي على كل الاسئلة.

ولكن السباق الذي يجب الحديث عنه هو بين انجاز الترسيم وانتهاء ولاية رئيس الجمهورية من جهة، والترسيم والوصول الى اتفاق في جنيف من جهة ثانية، والترسيم والوصول الى اتفاق سلام او وقف لاطلاق النار بين ​روسيا​ واوكرانيا من جهة ثالثة. ولا شك ان الوضع الاول يبدو بعيد المنال نظراً الى الخلافات السياسية بين الاطراف اللبنانية والتي لن تسمح بـ"تجيير" أيّ اتفاق لعون او لسواه مع اقتراب الولاية الرئاسية من نهايتها، فيما يبقى الخوف من ولادة اتفاق الترسيم من دون ابوّة لبنانية واضحة له، لأنّ الاطراف ستتردد قبل المجاهرة بموافقتها (على الرغم من انه من المؤكد تماماً موافقة الجميع على الامر عند حصوله للاسباب كما ذكرنا آنفاً)، لأن المسالة دائمة وغير محصورة بفترة زمنية محددة، ومن شأنها وضع ضوابط جغرافية وعسكرية على لبنان وحزب الله سيكون من الصعب جداً التملّص منها في المستقبل.