قبل أيام من إقفال أبواب تركيب اللوائح الإنتخابية، باتت القوى والشخصيات السياسية التي تمثل خط قوى الرابع عشر من آذار تدرك جيداً حجم الخسارة، التي تسبب بها قرار رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الإنتخابية النيابية المقبلة، نظراً إلى التداعيات التي ستترتب على ذلك، لا سيما على مستوى معركة الأكثرية النيابية في المجلس النيابي.

في هذا السياق، يمكن العودة إلى تصريح رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، قبل أيام، من أجل فهم حقيقة الواقع الإنتخابي الحالي، حيث عبر الرجل، الذي كان يطمح إلى تشكيل حالة سنية جامعة على المستوى الوطني، بواقعية شديدة عن الهدف من هذا الإستحقاق: منع قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" من الحصول على ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، أي أن المطلوب هو أن تحصل القوى المعارضة لهذا الفريق على أكثر من الثلث، في تكرار لنظرية الثلث المعطل في الحكومات.

بعيداً عن الأهمية التي يشكلها هذا الفوز على مستوى المعادلة السياسية في البلاد، فإن ما عبر عنه السنيورة، من وجهة نظر متابعة، هو تأكيد على أن الأمل في الفوز في الإستحقاق المقبل لم يعد متوفراً، الأمر الذي يعود بالدرجة الأولى إلى الخلل القائم على مستوى الساحة السنية، خصوصاً أن الجهود التي يقوم بها رئيس الحكومة السابق لم تنجح، في الحد الأدنى، في الوصول إلى الهدف المتوخى منها، بسبب المعركة المضادة التي يقوم بها تيار "المستقبل"، الذي يعتبر أن السنيورة يتعرض لعملية إستغلال من قبل حزب "القوات اللبنانية".

ما تقدم، لا ينفصل، بحسب قراءة المصادر نفسها، عن "هاجس" رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط في المرحلة الراهنة، حيث يسعى "البيك" إلى تكبير حجم المواجهة لشد عصب جمهوره، عبر الحديث عن محاولة حصار يتعرض لها من جانب "حزب الله" أو مساعى لتحجيم حضوره من قبل الجانب السوري، في حين أن الوقائع الإنتخابية تثبت أن أزمته تكمن في غياب تحالفه مع "المستقبل"، الأمر الذي قد يقود إلى خسارته مقعدين نيابيين إضافيين، الأول في دائرة بيروت الثانية أما الثاني فهو في دائرة البقاع الغربي وراشيا.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن "هاجس" زعيم "المختارة" الحالي هو الحفاظ على أكبر قدر ممكن من المقاعد الدرزية، حتى ولو اضطره ذلك إلى التخلي عن بعض المقاعد الأخرى ذات اللون الطائفي المختلف، فهو سيسعى إلى تحصين المقعدين الدرزيين في الشوف، من خلال تحويل الأصوات التفضيلية التي حصل عليها النائب نعمه طعمة، في الإنتخابات الماضية، إلى النائبين تيمور جنبلاط ومروان حمادة، لمنع رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب من الوصول إلى المجلس النيابي.

بالتزامن، تلفت المصادر المتابعة إلى أن جنبلاط سيراهن على التحالف في البقاع الغربي وراشيا لتأمين الفوز بمقعد النائب وائل أبو فاعور، في حين أن المعركة في دائرة بيروت الثانية تبدو صعبة، نظراً إلى أن الفوز بالمقعد الدرزي فيها يحتاج إلى أن يكون مرشحه النائب فيصل الصايغ على لائحة قوية، الأمر الذي لم تظهر معالمه، حتى الساعة، في ظل حالة الإرباك القائمة على مستوى الساحة السنية.

وسط هذه الأجواء، تستغرب المصادر نفسها إستمرار رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في رفع سقف المعركة، حيث لا يزال مصراً على أن الرغبة بالفوز في الأكثرية النيابية، بالرغم من أن المعطيات تؤكد أن هذا الأمر غير وارد، حتى ولو قررت كل القوى المعارضة لتحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر" التحالف معه، بعد الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي.

من وجهة نظر هذه المصادر، "طموح" جعجع الفعلي هو الفوز بأكبر كتلة نيابية مسيحية، أي أن يتفوق على "التيار الوطني الحر" في المواجهة على هذه الساحة، إلا أنها تلفت إلى أن الأمر لن يكون بالسهولة التي يتصورها، نظراً إلى الصعوبات التي يواجهها "القوات" في العديد من الدوائر التي يؤثر فيها الصوت السني، لا سيما تلك التي لا يملك فيها القدرة على تأمين الحاصل من دون التحالف مع "المستقبل"، كعكار وبعلبك الهرمل والبقاع الغربي وراشيا على سبيل المثال.

في المحصلة، الإنتخابات المقبلة معركة كبيرة بالنسبة إلى الشخصيات الثلاث المذكورة في الأعلى، في ظل وصفها بـ"المصيرية" من قبلها، لكن على ما يبدو السنيورة هو أقربها إلى الواقع في قراءة نتائجها مسبقاً، بالرغم من الطموحات الكبيرة التي كانت لديه في الفترة الماضية.