لا تأتي المصائب على ​لبنان​ فُرادى، فحتى النِعم التي يُفترض أن تكون هدايا إلهية، تترك ندوباً في الجسد اللبناني المنهك، والمقصود هنا، نِعَم المتساقطات السماوية، وأكثرت منه هذا العام.

قد لا تكون كمية الامطار المتساقطة هذا الموسم أكبر من المواسم السابقة، إنما الجديد هو ما نعيشه في هذا الوقت من السنة، ففي شهر آذار كان يُفترض أن يبدأ ​الطقس​ بالتحول من الشتوي بامتياز الى الربيعي، فترتفع درجات الحرارة بعض الشيء، دون أن يلغي ذلك احتمال وصول عواصف مطريّة، وربما ثلجية تطال مرتفعات معينة.

هذا العام كان آذار الشهر الأكثر برودة في كل الموسم، وهو أمر غريب لا يحدث الا نادراً، وهنا نتحدث عن حوالي 40 عاماً الى الوراء، فدرجات الحرارة هذا الشهر كانت أقل بكثير من معدّلاتها الطبيعية، وشهدت أدنى مستوى لها منذ 40 عاماً، وتساقطت الثلوج على مستويات متدنّية وصلت الى حدود 300 متر شمالاً، و450 متراً جنوباً.

لماذا نقول عن هذا الطقس "مصيبة" بينما يُفترض أن يكون تساقط الثلوج نعمة للمياه الجوفيّة؟ ببساطة لأنّ لبنان ليس مجهّزاً لهذا النوع من البرد في هذا الوقت من السنة، على لا الصعيد البشري ولا على الصعيد النباتي.

على صعيد الإنسان، فلا شكّ ان العام الحالي كان الأصعب لناحية تأمين سبل التدفئة، فالغلاء وصل الى سعر المازوت الذي يُعتبر الوسيلة الاكثر رواجاً للتدفئة في لبنان، فلأجل إشعال "الصوبيا" على المازوت لمدة 12 ساعة تقريباً نحتاج الى حوالي 10 ليتر من المازوت على الأقل، ما يعني صفيحة كل يومين وهو ما يُعتبر مستحيلاً بظل السعر الحالي الذي وصل الى 500 ألف ليرة. كذلك إن الذين يستعملون الحطب للتدفئة، لم يتوقعوا استمرار البرد لهذا الوقت من العام، فانتهت الكميات التي خُزّنت منذ شهر ويعانون اليوم من غياب وسائل التدفئة.

إن هذه المشكلة دفعت بالعديد من اللبنانيين لاستعمال مقتنيات شخصية للتدفئة، مثل الأحذية والملابس القديمة.

وليست التدفئة أكبر المشاكل، فما ينتظرنا على صعيد أسعار الخضار هو الأهم، إذ ان البرد الشديد والثلوج أضرّا بالعديد من المزروعات، منها على سبيل المثال، الخضروات الورقية (الخضراء)، التي تعرّضت للحرق جرّاء البرد الشديد والحر الشديد، كذلك "القنبيط والبروكولي"، و"الفول الأخضر والبازيلا"، كلها من الأنواع التي لا يناسبها الطقس الشديدالبرودة، خاصة عندما تطول مدته، كذلك الأشجار المثمرة التي تزهّر في مثل هذا الوقت من العام، تحديداً "اللوز والأكّيدنيا".

منذ فترة تعرّضت الخيم في عكار الى أضرار كبيرة جرّاء الطقس العاطل، ومن المعروف أن هذه المنطقة تشكل مصدراً أساسياً من مصادر الخضار في لبنان، إنما الأسعار الحاليّة ليست نتاج الطقس، بل بسبب ارتفاع كلفة النقل، حيثارتفعت أسعار الخضار الى مستويات غير مسبوقة فوصل سعر كيلو الخيار الى 40 ألف ليرة، وسعر الخسّة الواحدة الى 17 ألف ليرة، وسعر الفول الأخضر الى 40 ألف للكيلو الواحد، وسعر "القنبيط" (القرنبيط) الى 8 ألاف ليرة للكيلو. وبحسب المتابعين فإن النتائج الأسوأ ستأتي تباعاً، فالمواسم الحاليّة تعرضت لأضرار كبيرة لن تظهر نتائجها قبل بدء القطاف، وعندها نكون أمام عرض أقلّ من الطلب، وبالتالي ارتفاعاً إضافيا بالأسعار.

غريبة ظواهر الطقس هذا العام، فبعد أيام قليلة سنشهد طقساً حاراً في لبنان يستمر حوالي أسبوع، وستكون معدّلات الحرارة أحياناً أعلى من مستوياتها الطبيعية، وبالتالي فإنّ الحر الشديد والبرد الشديد يملكان نفس المفعول على البشر والخضار.