في الفترة الماضية، بدأ الحديث في بعض الأوساط السياسية والإعلامية، المقربة من قوى الثامن من آذار، عن أنّ القوى الغربيّة التي كانت تُصرّ على إجراء ​الإنتخابات النيابية​ في موعدها، خصوصاً الولايات المتّحدة، قد تذهب للبحث عن أيّ وسيلة لتأجيلها، نظراً إلى أن الأجواء توحي بأن قوى الأكثرية الحالية ستعود للفوز بها من جديد، وبالتالي لم يعد من الممكن الرهان على هذا الإستحقاق لقلب المعادلة الداخلية، في ظلّ الخلافات بين القوى التي تدور في فلك المحور المقابل.

ما تقدم قد يكون صحيحاً، خصوصاً أن المعطيات الحالية تؤكّد أن ليس هناك تحالف قوى، قادر على إيصال نوّاب إلى المجلس النيابي أكثر من تحالف قوى الثامن من آذار و"​التيار الوطني الحر​"، لا سيما بعد إعلان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري العزوف عن المشاركة في الإنتخابات المقررة في 15 أيار المقبل، لكن في المقابل هناك معطيات أخرى ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار.

أبرز هذه المعطيات قد يكون النتائج التي قد تترتب على فوز الأكثرية الحاليّة، خصوصاً أن الخلافات بين أركانها، التي هدأت بسبب مقتضيات التحالف في بعض الدوائر، ستعود إلى الإنفجار من جديد، حيث سيبدأ كل فريق منها في توجيه الإتهامات إلى الآخر، بدليل ما كان يحصل بين "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" على سبيل المثال، مع العلم أن البلاد ستكون بعد أشهر قليلة على موعد مع استحقاق الانتخابات الرئاسيّة، من دون تجاهل أهميّة غياب الشريك السني الذي كان يتم التوافق معه على تسمية رئيس الحكومة المكلف.

على مدى السنوات الأربع الماضية، لم تنجح تلك القوى في إختيار أيّ شخصية ل​رئاسة الحكومة​، ، حيث كانت تُصر في كل مرة على التفاهم مع الحريري، بوصفه زعيم أكبر كتلة نيابية سنية، الأمر الذي من المفترض أن يخلق مشكلة أساسية لها بعد الإنتخابات، بينما في المرة الوحيدة التي نجحت في ذلك، عند تسمية رئيس الحكومة السابق حسّان دياب، لم تنجح في مواجهة أيّ من الأزمات، من دون تجاهل نظرية إستمرار الأزمة على ما هي عليه، في حال فوزها، لا سيما أن موقف القوى الخارجية، بالنسبة إلى التعاون معها، لن يتغير، لا بل قد يكون أكثر تشدداً.

في هذا الإطار، تبرز بعض القراءات التي ترى أن فوز الأكثرية الحالية سيسمح بإستمرار أو زيادة الضغوط على لبنان من أجل الحسم في بعض الملفات الأساسية، أبرزها ​ترسيم الحدود​ البحريّة مع ​اسرائيل​، لا سيما أن من يقف بوجهها يستطيع، بعد الإنتخابات، أن يتمسّك بالمعادلة التي كان ينادي بها منذ السابع عشر من تشرين الأول من العام 2019، أيّ ضعف أو عدم شرعيّة القوى الفائزة، خصوصاً إذا ما كانت نسبة الإقتراع متدنيّة، الأمر الذي من الممكن أن يتعزّز في ظلّ إرتفاع كلفة النقل التي ستحول دون مشاركة الكثير من المقترعين في الاستحقاق المقبل.

إنطلاقاً من ذلك، يصبح من المنطقي القول أنّ ​الولايات المتحدة​، في حال كانت ترغب في الأصل، قد لا يكون من مصلحتها أن تدفع نحو تأجيل الإنتخابات، لا سيّما أنها، في الحدّ الأدنى، ستعيد قوى الأكثرية الحاليّة، في حال فوزها، أضعف من السابق، بالرغم من أنّ الأخيرة تنظر إلى هذا الإستحقاق بوصفه إستفتاء على شرعيتها، بل على العكس من ذلك قد يكون من الأفضل لها، بحال عدم قدرة حلفائها على الفوز في الإنتخابات، أن تعود تلك الأكثرية إلى الفوز بها، كي تصطدم بمجموعة واسعة من الأزمات التي أثبتت فشلها في معالجتها.

في المحصلة، فوز أيّ أكثرية ليس هو الأساس بل المشروع الذي ستحمله بعد الإنتهاء من الإنتخابات، حيث لن يكون من المجدي الإستمرار في خطابات الإنتصار على المشاريع الخارجيّة الكبرى، طالما هي عاجزة عن التصدّي لأيّ أزمة داخلية مهما صغر حجمها، بدليل ما حصل على مدى السنوات الأربع الماضية، فهل سيكون تحالف قوى الثامن من آذار و"التيار الوطني الحر"، في حال فوزه، قادر على سبيل المثال على تطبيق نظريّة التوجه شرقاً، التي ينادي بها، في ظلّ الإنقسام بين أركانه حولها؟.