لماذا انطلقَت كُلّ المُحرّكات دُفعةً واحدةً، لإِحياء "الكابيتال كونترول"... "وهو رميم"؟... بعد كُلّ ما قيل عنه مِن حيث التّوقيت ("الكابيتال كونترول": إِمرارٌ في اللحظة القاتلة)... أَو مِن حيث مفعوله الآن: الـ"كابيتال كونترول": قُنبلةٌ مَوْقوتةٌ؟. ولماذا هذا الإِصرار في الزّمن الانتخابيّ الماحِل، على إِمرار مشروعٍ بات يُقال عنه اليوم أَنّه "يهبط بالــ"باراشوت" على اللجان المُشترَكة"؟...

وتكمن المُلاحظات على المشروع، في أَنّه "يمنح اللجنة المعنيّة بتطبيقه، صلاحيّاتٍ استنسابيّةً واسعةً... مِن دون تحديدٍ واضحٍ لمهامها"!. وفي هذا الإِطار، ترى "رابطة المودِعين"، أَنْ "ثمّة مُخالفاتٍ في قانون "الكابيتال كونترول" المبتور". فاستحداث لجنةٍ حُكوميّةٍ-نقديّةٍ مُؤلّفةٍ مِن وزير المال ووزير الاقتصاد والتّجارة وحاكم مصرف لبنان، ويترأسها رئيس مجلس الوزراء أَو وزير ينتدبه ذات صلاحيّاتٍ شاملةٍ، إِنّما "تغتصب السُّلطات التّشريعية والقضائيّة والنّقديّة معًا في بسط سُلطتها على تحديد عمليّات المصارف وتحديد أَسعار الصّرف وقيود السُّحوبات وعملاتها وحركة الأَموال واستعمال الشّيكات والبطاقات المصرفيّة، وتُشرّع الباب أَمامها لإِعفاء مَن تشاء مِن القيود الّتي يفرضها القانون على الأَفراد والمُؤَسّسات والمصارف، وتثبت الاستنسابيّة الّتي تجذرت في التّعامُلات خلال السّنتَيْن والنّصف الماضيتَيْن"... وأَكثر مِن ذلك تأخذ هذه اللجنة "دَوْر محكمةٍ مصرفيّةٍ عرفيّةٍ"، بحسب المودِعين، إِذ إِنّها "تُوزّع أَحكامًا بالغرامات في حقّ المُخالِفين أَفرادًا ومُؤسّساتٍ ومصارف، مختزلةً عمل كُلّ الأَجهزة المَوْجودة أَصلًا وصلاحيّاتها، بموجب القانون، والّتي تحتاج إِلى تفعيل دورها".

وبعدما سقط مشروع القانون القديم، لكَوْنه يضع الصّلاحيّات المُطلقة في يد حاكم مصرف لبنان، جاء المشروع الجديد بالتفافةٍ، تُوسّع دائرة متقاسِمي النُّفوذ لتشمل ساسةً هُم مُناصِرون للمصارف وأَجنداتها... وثمّة ملاحظةٌ أُخرى تكمُن في كَون المشروع يُشرّع لما هو تمييزٌ واضحٌ بَيْن المودِعين وأَموالهم، في مُخالفةٍ لشُرعة حُقوق الإِنسان، وهو –إلى ذلك- يُكرّس بدعة الـfresh money أَو ما يُعرف "بالأَموال الجديدة"، والّتي بدورها قُسّمَت بَيْن أَموالٍ جديدةٍ بمُعاملةٍ مُميّزةٍ وأُخرى جديدةٍ بمُعاملة الأَموال المُحتجَزة.

كما وأَنّ تحديد سُقوفٍ للسُّحوبات هو مِن صُلب قانون الكابيتال كونترول، إِلّا أَنّ مثل هذه السُّقوف يجب أَلّا تُترك لاستنسابيّة لجنةٍ تقوم بتعديلها مِن وقتٍ إِلى آخر، مِن دون معايير علميّةٍ واضحةٍ... وأَمّا في حصر تسديد الودائع بالليرة على سعر (صيرفة)، المنصّة الّتي تعتمِد الضّبابيّة... وقد بدّدت آخر العُملات الصّعبة الّتي تمتلكها الدّولة والنّاس.

ويُضاف إِلى كلّ ذلك، أَنّ لجنة الرّقابة على المصارف المُناط بها رصد التّجاوزات، فهي في حُكم غير المَوْجودة، ولو أَنّها مارست دورها الرّقابيّ بحسب القانون، لَما وصلت المصارف إِلى ما هي عليه الآن...

وفي المُقابِل، وخلافًا لكُلّ ما ذُكر آنفًا، ثمّة رأيٌ آخر، يعتبر أَنّ "على رُغم ما تمّ تضييعه مِن وقتٍ مُنذ وقوع الانهيار... إِلّا أَنّ إِقرار قانون (الكابيتال كونترول)، ولو جاء مُتأّخّرًا، يبقى ضروريًّا لحِماية ما تبقّى مِن دولاراتٍ في البلد"... و"أَسوأُ صيغةٍ مِنه تظلُّ أَفضل مِن عدم وجوده"، بحسب أَنصار هذا الرّأي!...

وبين الرّأيَين، مصير شبابٍ يُهدَر على قارعة المَجهول!... وكذلك دعوةٌ تُطلقها مصادر لـ"يتمّ التّركيز أَكثر على جلب العُملة الصّعبة إِلى لبنان، مِن خلال مشاريع شبابيّةٍ يُمكن أَن يبدأ العمل على إِيجادها ولو فرديًّا، كالمشاريع المُخصّصة للمناطق الريفيّة، المدعومة دوليًّا مِن خلال المنظّمات غير الحكوميّة". ويعطون مثالا على ذلك "بما تمّ تحقيقه بالفعل في طرابلس وغيرها مِن المناطق اللُبنانيّة، وإِن كان في نطاقٍ خجولٍ حتّى الآن". وتتابع: "ينبغي ألّا ننتظِر أَن تُبادر الحكومات بذلك، بل يجب تنشيط المُؤسّسات الصّغيرة النّاشئة، وإذّاك لا تعود مسألة (الكابيتال كونترول) مطروحةً على النّحو الّذي هي عليه الآن". وتستطرد المصادر "إِنّ تلك الأَفكار البنّاءة، والّتي تفتح نافذة أَملٍ للشّبيبة، يجب أَن يصل إِلى البرلمان مَن يتبنّاها، حتّى تُبصر النّور تشريعيًّا أَيضًا، فتنمو وتتّسع وتكبر"!.

هل إِنّ مُمانعة إِقرار القانون الآن، هي وليدةُ هواجس وتحفُّظاتٍ واعتقادٍ بعدم جدوى؟... أَم أَنّ المسأَلة إِنّما هي مسألة عدم ثقة بالمسؤولين قد بلَغَت ذُروتها؟.