منذ فترة غير طويلة، بدأ رئيس الحكومة ​نجيب ميقاتي​ تصعيد موقفه لجهة التهديد بالاستقالة والمطالبة بطرح الثقة بالحكومة، في خطوة غريبة، خصوصاً وانه يعلم ان مثل هذا الامر من غير الممكن ان يحصل لانه لا اساس له في الداخل ولا في الخارج. مصادر مطّلعة تؤكد ان وضعه اليوم ينطبق عليه قول الشاعر بهاء الدين زهير "عرف الحبيب مقامه فتدلّل"، وتشرح المصادر هذا الوضع بالقول ان ميقاتي يعرف ان استقالته وحكومته ليست بيده، وهو اختبر هذا الامر حتى قبل تشكيل الحكومة حين هدّد واراد الاعتذار عن التأليف من دون ان يستطيع الى ذلك سبيلاً، فبقي واستمر بقوة الاتصالات الدولية الى ان تم تأليف الحكومة، والسيناريو نفسه لا يزال معمولاً به اليوم ايضاً، بحيث لا يمكن له، حتى ولو رغب، ان يستقيل.

وتتابع المصادر شرحها فتؤكد ان ميقاتي انما "يتدلّل" في طلب طرح الثقة بالحكومة والتلميح بطريقة غير مباشرة الى الاستقالة، لعلمه علم اليقين ان حكومته باقية حتى بعد ان تقدم استقالتها جراء ​الانتخابات النيابية​ وفق ما ينص عليه الدستور، لا بل قد تبقى في حكم تصريف الاعمال واستلام زمام البلد في حال لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يعني انه في مطلق الاحوال، سيبقى في السراي الكبير حتى اشعار آخر.

ومن ابرز اسباب عدم استقالة الحكومة حالياً، اجراء الانتخابات النّيابية في موعدها، وهو امر تلحّ عليه الدول الخارجيّة وتعمل من اجله منذ اكثر من سنتين، ولن تقبل بالتالي بتبرير ارجاء هذا الاستحقاق او الغائه موقتا بذريعة استقالة الحكومة، كما انه من المهم استكمال المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​ والتي دخلت مرحلة جدية منذ ايام. اضافة الى ذلك، يعلم ان بقاء الحكومة راهناً يبقى افضل من عدم وجودها اطلاقاً، ولو انها لم تقدّم الكثير منذ تشكيلها، فمهمّتها محددة فقط بضمان اجراء الانتخابات والتفاوض رسمياً مع صندوق النقد، والعمل على تسيير الامور في المرحلة المقبلة تفادياً لاي فراغ رسمي قد يحصل، منعاً للفوضى التي يمكن ان تطل برأسها مجدداً من هنا او هناك، في ظل تعدد الاسباب والظروف التي تسمح بانتشارها بسرعة ومن دون جهد كبير.

وتتابع المصادر ان "تدلّل" ميقاتي متأتٍّ ايضاً من الدعم الدولي الذي يحظى به، مع العلم انه في الايام الماضية، نجح في تسجيل خرق على صعيد العلاقة مع ​دول الخليج​ ولو بمجهود فرنسي حثيث، فهل من سيخاطر في تبديد هذا الخرق الذي حصل وتحمّل مسؤوليته؟ وفي ظل الضياع السائد في الساحة السنّية، كيف سيتم اختيار بديل لميقاتي في وقت سريع وبشكل لا يستفزّ احداً داخل لبنان وخارجه، مع العلم انّ العد العكسي للتوقيع مجدداً على الاتفاق النووي مع ​ايران​ قد انطلق بالفعل، مع كل ما يعنيه من انعكاسات ايجابيّة على المنطقة بشكل عام وعلى لبنان بشكل خاص؟.

ولهذه الاسباب مجتمعة، وغيرها، تفيد المصادر انّ ميقاتي تمسّك بمطالبه لجهّة عدم المسّ حالياً ب​المصارف​ وبحاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة، وهو امر يحظى ايضاً بتأييد رئيس مجلس النواب نبيه بري وبعض الدول الفاعلة على الصعيدين الاقليمي والدولي، الى حدّ اتهام رئيس الحكومة بتفضيل مصالح سلامة والمصارف على مصالح المواطنين، فيما اخذ مشروع قانون ​الكابيتال كونترول​ طريقه الى مجلس النواب بما يرفع المسؤولية عن الحكومة امام الناس وامام صندوق النقد الدولي، ويضعها في البرلمان الذي لا يزال يعتبر نسخة موسعة عن الحكومة نظراً الى الانتماءات الحزبية والسياسية للنواب.

من هنا، ترى المصادر ان ميقاتي حظي بـ"جرعة معزّزة" من اللقاح المضاد للاستقالة الذي تبرعت به الدول الخارجية، ويستفيد من ذلك بأفضل طريقة ممكنة.