إندلعتْ الأمور السوداويّة في البلاد وإنعكَسَتْ أمرًا سلبيًا على واقع الحياة السياسية في لبنان، ومن ضمن إطار القلق الذي يُراودني من تداعيات الحملة السياسية المنتهجة نعتبر أنّ لبنان ليس في منأى عن الخطـر ايًا كان نوعه ومصدر الأسباب والدوافع إليه. إننا في وطن تشوبه المناكفات وتنامي الأزمات الخانقة وطنيًا وسياسيًا وأمنيًا وإقتصاديًا وماليًا وحياتيًا ولا حلول مجدية في الأفق. وفي هذه الحالات نشعر كمواطنين ومن أرض الغربة وتحسُسًا منّا بالمسؤولية المُلقاة على عاتقنا أنّ هناك تهرُّبًا من الإلتزامات والإستحقاقات على أنواعها بالإتّكاء على ما يجري في أمكنة معينة، وهذا الأمر وبعد أنْ إطلعنا عليه بواسطة بعض المراجع الدبلوماسيّة التي تربطنا بهم صداقة متينة ونلتمِسْ منهم الحرص التّام على وضع لبنان أنّ الأمر بالنسبة إليهم وإلينا هو أكثر خطرًا ومدعاة للقلق لدى إداراتهم المعنية بالوضع اللبناني.

وفق ما حصّلته من لقاءات مع لبنانيين مغتربين، ومع بعثات دبلوماسيّة والتي كانت محصورة بمقاربة الوضع اللبناني وبكل أبعاده وإنعكاساته المحلية والإقليمية والدولية، تبيّن لي ولفريق العمل أنّ المطلوب نظرة جديدة إلى أحوال الوطن في عالم تشوبه الصراعات الإقليميّة والدوليّة وحتى المحلية، وتستطرد النظرة المحليّة المعطوفة على نظرتين إقليمية ودولية أنه لا يجوز وضع مشاكل لبنان في الإستيداع أو على رفوف الإنتظار أو ضمن حسابات معينة إنتظارًا لحسابات معينة داخلية–داخلية، وإقليمية–إقليمية، ودولية–دولية. المطلوب وفق وجهة نظري المبنيّة على دراسات مستفيضة أجرتها دائرة العلاقات السياسية الموجودة في لبنان، والتي ترتكز على أبحاث أعدّتها اللجان الأكاديمية صاحبة الإختصاص في العديد من المجالات، وبعض هؤلاء أساتذة في جامعات لبنانية وخارجية، إعتماد ​سياسة​ جديدة للمرحلة المستقبلية، كمحاولة لإستقراء الأحداث وإستشراف المستقبل، ومن خلالها يمكن من حيث المبدأ تحديد الموقع الثابت للجمهورية اللبنانية وكي يكون موقعها وموقفها راسخًا بين الأمم لا عبئاً كما هي عليه اليوم .

لا يجوز أن نكون تحت هيبة نظام تعتبره أكثرية الشعب اللبناني غير موثوق به، وسندًا لإحصاء أجرته إحدى الشركات المتخصصة بالموضوع والتي لها مكانة محترمة بين الناس وضمن السلك الخارجي، تبيّن أنّ 89% من اللبنانيين لا يثقون بالنظام، والأمر الأكثر أسفًا أنهم يعتبرون أنّ السلطة القائمة ليس بإستطاعتها القيام بالمهمّات المطلوبة منها، أما الفئة الباقية وبعد أنْ تمّ التعرُّف عليها، هي وللأسف الفئة المُضلّلة التي تستفيد من السلطة القائمة خلافًا للأصول القانونية، والدليل على هذا الأمر الفاضح أنها من فئة المغلوب على أمرهم الممسوكين من قبل نوّاب ووزراء يستغلّونهم وفق حاجياتهم المعيشية والتربوية والصحية إلى ما عدا من إحتياجات هم بحاجة أليها. هذا الأمر بالنسبة إلينا مخجل ومُعيب ويدفعنا إلى طرح سؤال جوهري، هل نحن في لبنان ضمن أزمة نظام أم ضمن أزمة حكم؟ كل الدلائل والنتائج تُشير إلى أننا في أزمة توالدت فيها العديد من المشاكل، سببها الجوهري أزمة حكم وصلت إليه طبقة سياسية فشلت في مقاربة منظومة سياسية من شأنها إدارة البلاد بمستوى راقٍ يجعل من النظام المثال الأحسن بين الأنظمة القائمة في المنطقة .

كي لا نبقى في دوّامة الفوضى وتعددية النواقص في الحياة السياسية اللبنانية وعوامل التعثُّر والتي تكثُر من حين إلى آخر، وكي لا ننزلق بالنظام السياسي إلى الطريق المسدود، وكي لا نصل إلى إنفجار في الأوضاع القائمة التي عمليًا ستهدِّدنا وتهدِّدْ مصيرنا، وكي لا نصل مجددًا إلى عوامل التفرقة، كالطائفية المسعورة، والتي يستغلّها بعض من يتوّلون السلطة... علينا أن نتوّحد حول مفهوم المشاركة في الحكم ودور المؤسسات الشرعية، والوصول إلى صيغة مبنية على أحادية صيغة العيش المشترك موّحدين نحو خطاب وطني سياسي يُحدّد الأولويات، التي يجب أن نسلكها لبناء وطن يليق بنا أينما كنّا ومهما كانت إتجاهاتنا السياسية.

إنطلاقًا من ذلك الأمر نأمل أن نرى مجموعة سياسية وطنية تأخذ بعين الإعتبار مصلحة لبنان ومؤسساته الشرعية، فالبنوايا الحسنة نسترجع وطنًا ونبنيه لكي تليق مكانته بين الأمم .